في خضم مسار متشابك عن مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي وصل إلى حدود سلطات الدول الكبرى، يواجه بعض أضخم صُنّاع تلك التكنولوجيا، تحديداً "مايكروسوفت" و"انفيديا" "و"أوبن إيه أي "، احتمال إجراء تحقيق لمكافحة الاحتكار. وبعد اتفاق جهات تشريعية وهيئات قانونية معنية بمكافحة الاحتكار، صدرت قرارات من وزارة العدل الأميركية، أزالت العوائق أمام رفع دعاوى بتلك التهمة ضد الشركات الثلاث.
وفقًا لتقارير وسائل إعلامية غربية، اتفقت وزارة العدل الأمريكية و"لجنة التجارة الفيدرالية" على مشاركة تحقيقات عن مكافحة الاحتكار في صناعة الذكاء الاصطناعي التوليدي. وقد أبرمت الصفقة خلال الأسبوع الماضي. ويتوقع الانتهاء منها في الأيام المقبلة، فيما بقيت المناقشات سرية ولم يسمح حتى بالإعلان عنها. ويعد الحدث أقوى علامة على شدة القلق حيال مخاطر الذكاء التوليدي، وكيفية تصاعد التدقيق التنظيمي في التقنيات القوية.
ثلاثية مايكروسوفت و"انفيديا" و"أوبن إيه أي"
ضمن ذلك السياق، تستعد وزارة العدل للتحقيق في شركة "انفيديا" الرائدة في صناعة أشباه الموصلات والرقاقات المتطورة التي تدعم حوسبة الذكاء الاصطناعي. وكذلك ستحقق "لجنة التجارة الفيدرالية" في مدى تمتع "مايكروسوفت" وشريكتها "أوبن إيه أي"، صانعة روبوت الدردشة "شات جي بي تي"، بمزايا غير عادلة بالنسبة إلى الشركات المنافسة لها في حقل التطور التكنولوجي السريع، خصوصاً التكنولوجيا المستخدمة في صنع النماذج اللغوية الكبيرة.
وتتشارك وزراة العدل ولجنة التجارة في تطبيق إجراءات مكافحة الاحتكار الأميركية. ويتوجب عليهما التدقيق في أي تحقيق مع الهيئات النظيرة لهما في مؤسسة الدولة الأميركية، قبل شروعهما في أي تحقيق جديد.
وفي العادة، تسير تلك الآلية بصورة روتينية، وتجري مع مراعاة لمصالح الصناعة، بهدف "ألا يخنق التشريع الابتكار"، وفق شعار أميركي شائع. وفي المقابل، ليس من وضوح في خطوط المصالح في صناعة التكنولوجيا وأسواقها.
وتحتل الوكالتان كلتاهما مكانة متقدمة جهود إدارة بايدن لكبح جماح قوة أكبر شركات التكنولوجيا. وقد عملتا على صفقة مماثلة في عام 2019، حينما حققت الحكومة مع شركات "غوغل" و"أبل" و"أمازون" و"ميتا". ومنذ ذلك الحين، رفعت دعاوى قضائية ضد كل تلك الشركات وغيرها بدعوى انتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار.
وخلال السنوات الماضية، نجت شركات "مايكروسوفت" و"انفيديا "و"أوبن إيه أي " إلى حد كبير من وطأة التدقيق التنظيمي لإدارة بايدن. ولكن المشهد تغيّر مع تصاعد ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي، في أواخر عام 2022 الذي خلق حالة من الجنون في التنافس بين أطراف تلك الصناعة.
إبحث عن ... الأموال!
لقد استثمرت "مايكروسوفت" مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية الأخيرة. وتستخدم شركة "أوبن إيه أي" موارد الحوسبة الهائلة لدى مايكروسوفت في تطوير تقنيتها. وفي المقابل، تعمل شركة البرمجيات العملاقة على دمج خدمات "أوبن إيه أي" في أعمالها الأساسية، بما في ذلك محرك البحث "بينغ" Bing. دفعت هذه السياسات والعوامل بأن يشعر المنظمون حول العالم بالقلق من أن الاستثمار نُظُم بطرق تضمن تجنّب المراجعات الاندماج القانونية، وأن الشراكة ستمنح الشركتين ميزة غير عادلة على المنافسين.
وكذلك ارتفعت أرباح "إنفيديا بشكل كبير على مدى السنوات القليلة الماضية. وقد تجاوز حجمها ثلاثة تريليونات دولار عشية القرار المشار القانوني المشار إليه أعلاه. وقد كيّفت "انفيديا" رقائقها الإلكترونية، المستخدمة تقليديا لرسومات الكمبيوتر، كي تتناسب مع أعباء الأعمال الحاسوبية الثقيلة للذكاء الاصطناعي التوليدي. تشير التقديرات إلى أن الشركة تمتلك ما يصل إلى 90% من سوق رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة، التي غالبًا ما يصعب الحصول عليها. وكذلك ذكرت تقارير صحفية أن الوكالة الفرنسية لمكافحة الاحتكار تحقق بالفعل مع "إنفيديا". وفي سياق متصل، واجهت تلك الشركة انتقادات من العملاء والمنافسين بسبب أساليبها في المبيعات التي يقول بعض منافسيها إنها تقيدهم. وينطبق وصف مماثل على أساليب "انفيديا" في تجميع البرامج الأساسية المتعلقة بالرقائق المتطورة.
المخازن التراكمية للذكاء الاصطناعي
تجري "لجنة التجارة الفيدرالية" دراسات عن سوق تقنية "حوسبة السحاب" Cloud Computing واستثمارات الذكاء الاصطناعي في "مايكروسوفت" و"أمازون" و"غوغل"، يدور النقاش حول ما يسمى بـالمخزن التراكمي الذكاء الاصطناعي. ويتجمع في ذلك المخزن أشباه الموصلات العالية الأداء، وموارد الحوسبة السحابية الضخمة، والبيانات اللازمة لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة، والبرمجيات اللازمة لدمج تلك المكونات، والتطبيقات الموجّهة إلى المستهلك مثل "شات جي بي تي" .
ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة متخلفة عن أوروبا في تنظيم الذكاء الاصطناعي التوليدي. في العام الماضي، اتفق مسؤولو الاتحاد الأوروبي على قواعد تاريخية للتحكّم بالتكنولوجيات السريعة التطور، مع التركيز على الطرق الأكثر خطورة في استخدامها. وخلال الشهر الماضي، أصدرت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ توصيات تشريعية للذكاء الاصطناعي، داعين إلى إنفاق 32 مليار دولار سنويًا بغية تعزيز الموقع القيادي لأميركا في التكنولوجيا، لكنهم أحجموا عن طلب لوائح جديدة محددة.