غسان مراد
الأرجح أنّ من الضروريّ وضع جهود آلان تورينغ العلمية ضمن سياق تاريخ التطور العلميّ. ومنذ مستهل القرن العشرين، تحاورت مدرستان علميّتان شكّل المنطقيون وعلماء الرياضيّات إحداهما، فيما ضمّت الأخرى المهندسين وصنّاع الآلات.
انتمى تورينغ إلى العائلة الأولى عبر وضعه "نموذج عالميّ للحساب". ووصف آلته الأولى، التي حملت اسمه، وتكونت من صيغ رياضيّة موجَّهة، بأنها بُنية فكريّة بحتة.
"اختبار تورينغ" وسؤال من هو الإنسان؟
في 1950، نشر تورينغ مقالاً بعنوان "الآلات الحسابيّة والذكاء" حدد فيه مسألة الارتباط بين الحسابيّ والفكريّ؛ وواضح أنه تأمل في مفهوم الذكاء الإصطناعي.
حينها، ظهر "اختبار تورينغ" الذي يتكون من حوار لا يعرف الإنسان المشارك فيه هوية الطرف الذي يرد عليه. وحينما يصبح المشارك غير قادر على تمييز إجابات الآلة من تلك التي يعطيها البشر، يُعتبر أن ذكاء الآلات قد اجتاز "اختبار تورينغ".
لعلها مناسبة للتأكيد على أهمية العالِم الراحل أن نقول بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي تميّز بقدرته على اجتياز "اختبار تورينغ"، على الرغم من بعض الهفوات التي "تكشفه" أحياناً.
وفي العام 1951، قدَّم تورينغ مساهمة في البيولوجيا بأن وضع نموذجاً حسابياً يقدر على توليد أشكال تمتلك مواصفات من التنظيم الذاتي، وتُعتبر من الصفات الأساسية في الكائنات الحية.
في تشرين الأول (أكتوبر) 1938، شاهد تورينغ في كامبردج عرض فيلم "بياض الثلج والأقزام السبعة" وتأثر به كثيرًا، وعلِق في ذاكرته، خصوصًا المشهد الذي تغمس فيه الساحرة الشريرة التفاح في المرق المسموم كي تستعملها في تسميم "بياض الثلج". عُرِف عنه أنه كان يدندن تكرارًا كلمات هذا المشهد: "اغمس التفّاح في المرق/ ودَعِ الموت يتسرّب عبر النوم" “Dip the apple in the brew/Let the sleeping death seep through”.
لقد انتحر آلان تورينغ في 7 حزيران 1954 وهو في الـ42 من عمره، بعد أن صدر حكم عقابيّ بحقّه، لأنّه كان مثليّ الجنس؛ ففي 1952 حكم عليه بالـ"خصي الكيميائي" حسب القانون البريطاني آنذاك. وقد دفعه ذلك إلى الانتحار. مات بعد تناوله تفّاحة مسمّمة بمادة "سيانيد" (Cyanide) القاتلة، حمراء تشبة تفاحة المرأة العجوز، التي سُمّمت بها بياض الثلج. من حظّ بياض الثلج، بعد أن وضعوها في التابوت، أن مرّ بها الأمير وقبّلها، فاستفاقت من جديد وشفيت؛ ومن سوء حظ تورينغ أن أحداً لم يمرّ كي يستفيق من جديد!
قد لا توجد أيّ صلة موثوقة بين تفاحة شركة "أبل" (Apple) وتفاحة تورينغ السامّة. في المقابل، ربما يصعب استبعاد ذلك. على الرغم من أنّ البعض يعتبر أنّ تفاحة "أبل" هي من اختراع روب جانوف، الذي كان يعمل في شركة تعتبر مرجعاً في فيزياء نيوتن، وهي على علاقة مع أحد مؤسّسي شركة "أبل"! ولنتذكّر أيضاً تفاحة نيوتن!
بالنسبة إلى القضمة في تفاحة "أبل" الشهيرة، فلعلّها ليست وثيقة الصّلة بانتحار تورينغ، بحسب ما نعرف حتى الآن، على الرغم من إغواء السّهولة في الرّبط بين الأمرين.
وخلال العقد الأول من القرن الـ21، أعادت الحكومة البريطانية الاعتبار إلى تورينغ عبر تقديم الاعتذار له باسم الحكومة البريطانية. حينها، اعتَبر رئيس الوزراء غوردن براون أن تورينغ من مناضلي الحرب العالميّة الثانية. وقال: "لولا تورينغ لكان تاريخ الحرب العالميّة الثانية مختلفًا".
وفي سنة 1966، ظهرت "جائزة تورينغ" التي تُسمّى أيضًا بـ"نوبل المعلوماتيّة"، وهي تُعطى عن طريق شركة "جمعيّة آلات الحوسبة" (Association of Computing). وفي ختام الألفيّة الثانية، أدرجت مجلة "تايم" اسم تورينغ، بوصفه من أهمّ شخصيّات القرن العشرين. واعتبر البعض أنّه يُماثل ألبرت آينشتاين، في عِلم الرياضيّات.