في كثير من الأحيان، تحمل المكّوكات الفضائيّة أنواعاً معيّنة من الأسماك على طريق تحليقها في المدار الخارجيّ. تهدف هذه الأبحاث إلى معرفة كيفيّة تفاعل تلك الأسماك مع البيئة الجديدة القاسية. لكن ما الذي يستفيد منه البشر في هذه المعرفة؟
تقرير في "پوپولار ساينس" يقدّم الإجابة:
قبل نحو عقد من الزمن على سفر سالي رايد كأول أميركية إلى الفضاء، أصبحت سمكتان صغيرتان من نوع "الممشوج" mummichogs أول سمكتين تزوران الفضاء. سنة 1973، انطلقت هاتان السمكتان الصغيرتان إلى الفضاء على متن إحدى كبسولات طاقم "أبولو" كجزء من "سكايلاب-3" وهي مهمة مدتها ثلاثة أشهر إلى محطة الفضاء التابعة لوكالة "ناسا".
مثّلت هاتان السمكتان، بالإضافة إلى 48 سمكة أخرى خرجت من البيض الموجود على متن "سكايلاب-3"، بداية تاريخ طويل من الأسماك التي دارت حول الأرض والتي علّمتنا الكثير عن كيفية تأثير الجاذبيّة الضئيلة على الكائنات الحية.
والصين مهتمّة
الآن، وبعد نحو 50 عاماً، تسبح أربع سمكات زرد على متن محطة تيانغونغ الفضائيّة الصينيّة وتتكيّف مع البيئة الغريبة للفضاء الخارجي. لكن بدلاً من كيس بلاستيكيّ بسيط كما حصل في السبعينات، تعيش هذه الأسماك في نظام بيئي هو الأول من نوعه على مستوى الاستدامة الذاتيّة.
أفاد رواد الفضاء الصينيّون الأسبوع الماضي بأنّ أسماك الزرد التي أُطلقت في 25 نيسان (أبريل) مع بعض الطحالب لا تزال على قيد الحياة وبصحّة جيدة. تهدف هذه التجربة إلى معرفة كيف ستؤثر الجاذبيّة الضئيلة على دورة حياة الأسماك والدورات الطبيعيّة الأخرى داخل بيئتها المغلقة.
Why do we send so many fish to space?https://t.co/CvfpQqf2dN
— Sun5 (@55Sun5) June 6, 2024
تؤدّي تأثيرات الجاذبيّة الضئيلة إلى تغيّرات في جميع وظائف الجسم تقريباً، من عظامنا إلى قلوبنا وأدمغتنا. من أجل قضاء المزيد من الوقت في الفضاء، كما هي الحال في البعثات الطويلة إلى المريخ، من الضروري جداً فهم هذه التغيّرات البيولوجيّة. لكنّ البشر معقّدون وتصعب دراستهم، بخاصة إذا كنتم تريدون تتبع التغييرات منذ الولادة. هذا هو المكان الذي تؤدي فيه الأسماك دورها.
أسماك الزرد مميّزة
يعدّ سمك الزرد مثلاً رائعاً لكائن حيّ نموذجيّ، وهو نوع تمّت دراسته على نطاق واسع لمساعدتنا على فهم جانب معيّن من علم الأحياء، غالباً بطرق لا يمكن تجربتها على البشر. على الرغم من أنّ أسماك الزرد قد تبدو مختلفة تماماً عنا، هي في الواقع "تمتلك العديد من الأعضاء الرئيسية نفسها وتعمل أجسامها عموماً بالطريقة التي تعمل بها أجسامنا، وصولاً إلى المستوى الخلوي في كثير من الحالات"، على ما يوضحه عالم الأحياء التنموي في جامعة واشنطن آرون فان لون.
كما أنّ أسماك الزرد صغيرة الحجم وتسهل العناية بها ويمكن رؤيتها بالكامل قبل أن تخرج من البيض، ما يمكّن العلماء النظر بداخلها أثناء نموّها. ويضيف فان لون أنّه من الأسهل على العلماء التلاعب بالوراثة فيها، ما يتيح "الكثير من التجارب المهمّة التي ببساطة لن يكون من الممكن أو الأخلاقيّ إجراؤها على البشر".
Must say I had no idea we did.Why do we send so many fish to space? https://t.co/PP6ASI5yix— Reid Farmer (TR_Farmer_archaeology) (@farmer_tr) June 6, 2024
على الأرض، يتمّ استخدام سمك الزرد في العديد من التجارب الطبّيّة التي تساعد البشر، "بدءاً من المسارات الداخليّة للتطور الجنينيّ، إلى وظيفة الخلايا المناعيّة أثناء العدوى، وحتى فهم الأمراض الوراثيّة"، كما يقول فان لون. وفي الفضاء، تمّت دراسة هذه الأسماك منذ السبعينات، عندما طارت على متن مهمة محطة الفضاء الروسية "ساليوت 5". وفي 2015، تم استخدام أسماك الزرد على متن محطة الفضاء الدولية للتحقيق في كيفيّة ضمور العضلات في الجاذبيّة الضئيلة.
عشرات الآلاف من الأسماك
تمّ إدخال سمك ضفدع المحار الأكبر حجماً بقليل على متن مكوك الفضاء كولومبيا التابع لـ"ناسا" أواخر التسعينات، حتى يتمكّن العلماء من مشاهدة أدمغتها وهي تتكيّف مع جاذبية الأرض عند العودة. في الواقع، كانت هناك مجموعة كاملة من المخلوقات على متن تلك الرحلة، بما فيها أكثر من 75 ألف سمكة من أنواع مختلفة بحسب "ناسا".
وفي العقد الماضي، تمّ استخدام أسماك الميداكا لقياس خسارة كثافة العظام وتأثير الإشعاع الفضائيّ على حمضها النوويّ. وتحتوي أرشيفات "ناسا" أيضاً على "سجلات عدة حول الأبحاث التي أُجريت باستخدام قناديل البحر والأسماك الذهبيّة وأسماك الجوبي والسلمندر، والسمندل"، كما تقول جولي براميس، أمينة أرشيف "ناسا"، مثل تلك التي كانت موجودة على متن مهمة مكوك الفضاء STS-65 سنة 1994 للتحقيق في توازن تلك المخلوقات ووعيها المكانيّ وسلوكيّات التزاوج لديها.
على غرار روّاد الفضاء من البشر، يتم اختيار الأسماك بعناية للذهاب لتلك الرحلات، مع وضع مهمة معيّنة بالاعتبار.