النهار

"أبل" تدخل عوالم الاتّصالات إلى الزّمن النّوعي للذّكاء الاصطناعي التّوليدي
راغب ملّي
المصدر: النهار العربي
نقلت شركة "آبل" الحياة اليومية للبشر، إلى مرحلة التفاعل المباشر المستمر مع الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يجسّد المرحلة النوعية المختلفة في تطوّر ثورة المعلوماتية والاتصالات المستندة إلى الذكاء الاطصناعي التقليدي.
"أبل" تدخل عوالم الاتّصالات إلى الزّمن النّوعي للذّكاء الاصطناعي التّوليدي
تعبيرية مصممة بالذكاء الاصطناعي التوليدي
A+   A-
نقلت شركة "أبل" الحياة اليومية للبشر إلى مرحلة التفاعل المباشر المستمر مع الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يجسّد المرحلة النوعية المختلفة في تطوّر ثورة المعلوماتية والاتصالات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي التقليدي.
 
ربما تبدو الكلمات مفخّمة، لكن لا أقل من ذلك في وصف "مؤتمر مطوري أبل في العالم 2024" 2024 Apple Worldwide Developers Conference، واختصاراً "إيه دبليو دبليو دي سي" AWWDC، يكفي تذكّر الانتشار العالمي المذهل ومئات ملايين هواتف "أبل" في العالم، إضافة إلى أجهزتها الأخرى، (وكذلك الوقت والتفاعل الضخم للبشر معها) ليكون سبباً للقول إن خطوة "أبل" بوضع مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها تعني نقلة نوعية في الحياة اليومية للبشر في أنحاء المعمورة. ويزيد في تبرير ذلك الوصف للنقلة التي أنجزتها "أبل" أنها جرت عبر صفقة تعاون مع شركة "أوبن إيه آي" التي هزّت الكرة الأرضية، حينما أطلقت روبوت الدردشة "شات جي بي تي" في خريف عام 2022.
 
وبعد، من لديه شك حتى الآن، في أن البعد الرقمي، الاتصالي والمعلوماتي، صار نسيجاً أساسياً في قماشة الحياة اليومية للبشر، بل لعلّه النسيج الذي يعطيه صفتها بالمقارنة مع مراحل أخرى في تطور الحضارة البشرية؟  
 
عرض تقديمي وصفقة الذكاء التوليدي
 
وضعت شركة "أبل" نفسها رسمياً في السباق العالمي للانتقال إلى الزمن التقني للذكاء الاصطناعي التوليدي، وباتت في منافسة مع الشركات الأخرى في صناعة الهواتف والأجهزة الذكية، مع الخطوة الأولى في مؤتمر مطوريها العالمي المتمثلة في العرض التقديمي له. إذ تضمّن العرض إعلاناً عن صفقة مع "أوبن إيه آي"، لاستخدام تكنولوجيا الشركة في منتجاتها، وإظهار عدد كبير من ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة الخاصة بها.
 
لقد وضعت "أبل" نفسها على مرّ السنين بأنها ترسم طريقها الخاص، من خلال التركيز على نظام بيئي مغلق يتمحور حول هواتفها وأجهزة الكمبيوتر الباهظة الثمن، وتُروّج لهذا النموذج على أنه أفضل لخصوصية المستخدمين. لكن احتضان الذكاء الاصطناعي التوليدي يُظهر أن الاتجاه التكنولوجي أقوى من أن تتجاهله حتى الشركة. وهذا ما أكّده تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، إن ميزات الذكاء الاصطناعي "تغيّر قواعد اللعبة" وستكون "لا غنى عنها" في المستقبل.
 
 
 
 
عرضت شركة "أبل" ميزات الذكاء التوليدي التي أطلق عليه اسم "أبل إنتلجينس" Apple Intelligence. وشمل ذلك مولّد نص لرسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصّية القصيرة، وأداة لإنشاء الصور التي من شأنها أن تعمل في تطبيقات الشركة المختلفة، ونسخة متطورة من المساعد الرقمي "سيري" Siri الذي يتفاعل بالصوت مع مستخدمه.
 
وكانت العديد من الأدوات والخدمات التي عرضتها شركة "أبل" مشابهة لتلك التي تدمجها "غوغل" في نظام التشغيل "أندرويد" المنافس لها، مثل القدرة على تحرير خلفية الصور لإزالة الغرباء.
 
إذاً، لقد احتدمت نيران إدخال المعلوماتية والاتصالات بشبكاتها وأجهزتها، على مستوى الأفراد والمجموعات البشرية، في الزمن التقني الجديد المحمول على صهوة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
 
 
 
رفع مستويات التحدّي القانوني للاحتكار
 
قد تؤدي صفقة "أبل" مع "أوبن إيه آي"، إلى تدقيق جديد من قبل مشرّعي القوانين. إذ توصلت وزارة العدل ولجنة التجارة الفدرالية الأميركية أخيراً إلى اتفاق من شأنه أن يتيح قدراً أكبر من الإشراف على الشراكات الكبيرة بين شركات التكنولوجيا. ويسود الحذر أوساط القيّمين على قوانين مكافحة الاحتكار بشأن الطرق التي تستخدم فيها شركات التكنولوجيا أموالها العميقة لإبرام صفقات تهدّد الابتكار. كانت صفقة "أبل" الضخمة مع "غوغل" والتي يدفع فيها عملاق البحث مقابل إعطاء محرك البحث الخاص به موضعاً رئيسياً في متصفح الويب "سافاري" Safari من "أبل" جزءاً أساسياً من دعوى قضائية حكومية تدّعي أن "غوغل" استخدمت هذا الترتيب للضغط على المنافسين.
 
 
اتجاهات "أبل" الجديدة
 
في المؤتمر نفسه، لمّح كريغ فيديريغي، المسؤول في قسم البرمجيات بـ"أبل"، أن الشركة قد توقّع صفقات الذكاء الاصطناعي مع شركات غير "أوبن إيه آي". وأورد، "نريد تمكين المستخدمين في نهاية المطاف من تقديم النموذج الذي يختارونه". وتذكيراً، إن نماذج الذكاء الاصطناعي هي التكنولوجيا الأساسية التي تعتمد عليها روبوتات الدردشة ومولدات الصور.
 
والمفارقة أن "أبل" قد تتعاون في ذلك حتى مع "غوغل" التي تتنافس معها شركة "أبل" في ما يتعلق بأنظمة تشغيل الهواتف الذكية، لأن "غوغل" هي صانعة برنامج التشغيل "آندرويد" المنافس لـ"أبل".
 
وعبّر فيديريغي عن ذلك بوضوح، "نحن نتطلع في المستقبل إلى إجراء عمليات تكامل مع نماذج ذكية مثل "جميني" Gemini... أعني أنه ليس هناك ما نعلن عنه الآن، ولكن هذا هو اتجاهنا".
 
 
"أبل" التحقت متأخرّة؟ 
 
حينما أعلنت شركة "أوبن إيه آي" عن "شات جي بي تي" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، أحدثت حالة من الجنون في صناعة التكنولوجيا. استثمرت "مايكروسوفت" التي كانت لديها بالفعل شراكة مع "أوبن إيه آي"، مليارات أخرى في الشركة الصغيرة، وبدأت في وضع تقنيتها في منتجاتها، وسرعان ما تبعتها "غوغل"، معلنة أنها ستبدأ في وضع إجابات الذكاء الاصطناعي في نتائج البحث وإطلاق روبوتات الدردشة الخاصة بها، التي تمثلت بنظام "بارد" Bard ثم Gemini.
 
خلال مقابلات ومؤتمرات الشركة العام الماضي، تحدث المسؤولون التنفيذيون في شركتي "مايكروسوفت" و"غوغل" عن كيفية وضع الذكاء الاصطناعي في قلب استراتيجيات أعمالهم. لكن تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، بدا حينها أقل حماسة. وفي مؤتمر عبر الهاتف في 4 أيار (مايو) 2023، أخبر المستثمرين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال لديه "عدد من المشكلات التي تحتاج إلى حل". وأشار كوك آنذاك إلى أن شركة "أبل" لن تنشر روبوتات الدردشة وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية إلّا على "أساس مدروس للغاية".
 
ومع ذلك، لم تُحَل قضايا الذكاء الاصطناعي من المعلومات الكاذبة التي تنتجها روبوتات الدردشة  إلى مولدات الصور التي تكرّر التحيزات الضارة ضدّ المرأة.
والمفارقة أن "أبل" بيّنت في مؤتمر مطوريها 2024، أنها تمضي في مسار إدخال الذكاء التوليدي في منتجاتها، من دون حتى الإشارة إلى أن مشكلات تلك التقنية لم تجد طريقها إلى الحل.
 
وأوضحت الشركة أنها ستعمل على تشغيل معظم ميزات الذكاء الاصطناعي على الأجهزة، مع تمسّكها بنهج مراعاة الخصوصية الذي استخدمته الشركة لمحاولة تمييز نفسها عن نظام التشغيل أندرويد من "غوغل". 
 
وفي مسار ذلك التميّز بشأن الخصوصية، توضَّحَ أنه حينما يلجأ الذكاء التوليدي في أجهزة "أبل" إلى الحصول على المساعدة في طلب ما، فسيتمّ إخطار المستخدم أولاً قبل إرسال السؤال إلى "أوبن إيه آي". وفي السياق نفسه، أوضحت الأخيرة أن الطلبات المرسلة إليها من "أبل" لن تُخَزَّن لديها، وكذلك فإنها ستعمل على حجب عناوين الحواسيب "آي بي" IP الخاصة بالمستخدمين.
 
 
 
كخلاصة، لقد دخلت "أبل" سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي متأخّرة حتى بالنسبة إلى التطورات "الثورية" في تلك التقنية نفسها، والإصرار على تطويرها على الضدّ من اعتراضات شتى.
وثمة من يراهن على إنجازات سابقة لـ"أبل" في مجال حماية الخصوصية، ويرى أنها قد تسهم في دفع الذكاء التوليدي إلى آفاق أكثر إنسانية.
 
وفي المقابل، يبرز السؤال عن موقع "أبل" في هذه المعركة في ظل التحدّيات الأساسية للذكاء الاصطناعي التوليدي نفسه من جهة، واحتدام المنافسة بين شركات التكنولوجيا من جهة أخرى.

اقرأ في النهار Premium