هل يصبح بناء المواقع الإلكترونية لعبة شعبية تحت قوس قزح الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ لعلّ للسؤال ما يبرّره، بعدما أحدثت التقنيات التوليدية ثورة في علاقة الجمهور مع صناعة المواقع الشبكية على الإنترنت، وصار إنشاؤها متاحاً حتى لمن لا يملك خبرة تقنية، وفي دقائق قليلة.
تدافعت تلك الصور مع خطوة نوعية كشفت عنها إحدى أضخم شركات صنع المواقع الرقمية، "بلوهوست" Bluehost، التي صنعت أداة تعمل بالذكاء التوليدي، سمّتها "إيه آي ويب سايت كريتور" AI Website reator.
إذاً، لقد انقلبت رأساً على عقب مسألة تطوير المواقع الشبكية، وباتت متاحة للجمهور، واستغنت عن الطرق الذكية السابقة التي كانت تتطلّب تداخلًا معقّدًا بين الترميز والتصميم وإنشاء المحتوى.
إنها ثورة، لا أقل من ذلك!
"عيد ميلاد ابنتي غداً. أريد أن أصنع لها مفاجأة. والليلة، بعد عودتي من العمل، سأصنع لها موقعاً على الإنترنت يتوافق مع شخصيتها". هل بدت الكلمات خيالاً علمياً؟ الأرجح أنها لم تعد كذلك، إذا صدق وصف "بلوهوست" للخصائص والقدرات التي تحوزها أداتها "إيه آي ويب سايت كريتور" المزودة بالذكاء التوليدي، التي تصنع لكل فرد موقعاً شبكياً يتناسب مع شخصيته، من دون أن يتطلّب ذلك سوى إجابته عن بضعة أسئلة خلال دقائق محدودة.
ويُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في طريقة بناء مواقع الويب من خلال الأتمتة والتخصيص والكفاءة. يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أتمتة المهام المتكرّرة مثل غربلة البيانات للتوصية بالتخطيطات الفعّالة وأنظمة الألوان والخطوط التي تتوافق مع هوية العلامة التجارية. وهذا لا يؤدي إلى تسريع عملية التصميم فحسب، بل يضمن أيضًا أن تكون القرارات مستندة إلى البيانات. ومع الذكاء التوليدي، صار الجمهور قادراً على تسخير تلك القدرات كلها، بطريقة بسيطة وسهلة، ولا تستغرق سوى دقائق عدة، وفق رأي "بلوهوست" وأدواتها المستندة إلى الذكاء التوليدي.
وعلى صعيد التصميم والتخطيط، يحلّل الذكاء الاصطناعي تفضيلات المستخدم واتجاهات الصناعة والقوالب الموجودة لإنشاء تصميمات جذابة بصريًا، كما أنه يحسّن تخطيطات المواقع لتكون استجابية عبر أجهزة مختلفة، مما يضمن تجربة مستخدم سلسة.
ويمكن للذكاء التوليدي إنشاء محتوى أساسي، مثل أوصاف المنتجات أو منشورات المدونة، بناءً على أنماط محدّدة مسبقًا. تعمل خوارزميات "معالجة اللغة الطبيعية" Natural Language Processing على تحسين جودة المحتوى، لكن بينما يُعتبر المحتوى الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي فعّالًا، يظل الحفاظ على الجودة أمرًا بالغ الأهمية، ولا غنى عن الإشراف البشري.
الأمر مماثل على صعيد التخصيص. إذ يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يصمّم مواقع الويب من خلال تحليل سلوك المستخدم. إذ يكيِّف المحتوى ويوصي بالمنتجات ذات الصلة ويخصّص التفاعلات. تخيّل موقعًا يضبط محتواه ديناميكيًا بناءً على تفضيلات كل زائر!
مهمّة... ليست مستحيلة
في حديث لـ"النهار"، يقول نادر الصباغ، وهو مطور مواقع إلكترونية، إن "الذكاء الاصطناعي جعل مهمّتنا أسهل". ويوضح: "إن تطوير موقع إلكتروني بالطرق التقليدية يستغرق بين 220 و440 ساعة، أما بمساعدة الذكاء الاصطناعي فتتقلّص هذه المدة إلى ما بين 83 إلى 220 ساعة. هذا يعني أننا نوفّر ما بين 50 و65 في المئة من الوقت المستغرق في بناء الموقع الإلكتروني".
وتذكيراً، تعد شركة "بلوهوست" بجعل ذلك ممكناً خلال بضع دقائق.
يضيف نادر صباغ: "بالنتيجة، يساعد الذكاء الاصطناعي كثيرًا في توفير الوقت لتطوير موقع ويب، مع ملاحظة أن التقديرات المذكورة أعلاه قد تختلف من موقع إلى آخر بناءً على عوامل عدة مثل مدى تعقيد موقع الويب والمهام المحدّدة التي يتمّ استخدام الذكاء الاصطناعي من أجلها".
ورأى صباغ أنه "يمكن أن يختلف الوقت الذي يتمّ توفيره باستخدام الذكاء التوليدي في تطوير مواقع الويب بشكل كبير، اعتمادًا على المهام المحدّدة التي يتمّ استخدام الذكاء الاصطناعي فيها ومدى تعقيد المشروع، نظرًا لأن الذكاء الاصطناعي في مرحلة ما يكون أسرع (وليس أكثر ذكاءً) من البشر".
مزايا متنوعة للاستخدام
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي في صناعة مواقع الويب على إنشاء التصميمات والمحتوى فحسب، بل إنه يوفر أيضًا فوائد عديدة في ما يتعلق بالسرعة والكفاءة وتحسين تجربة المستخدم. يعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع عملية إنشاء المواقع عن طريق أتمتة المهام المتكرّرة.
كذلك يساعد الذكاء التوليدي في تحسين تجربة المستخدم، إذ تساهم تقنيات التخصيص والدردشات الآلية ومحركات التوصية في تحسين تفاعل المستخدم مع الموقع. يضبط الذكاء الاصطناعي المحتوى بناءً على تفضيلات المستخدم وسلوكه، مما يخلق رحلة أكثر تخصيصًا.
ورغم مزاياه، ينطوي استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال بناء المواقع، خصوصاً في ما يتعلق بالرقابة على الجودة. وفي حين أن المحتوى الذي يُصنع بواسطة الذكاء التوليدي يتسمّ بالكفاءة، يعدّ الإشراف البشري ضروريًا لضمان الدقة والملاءمة والمواءمة.
كذلك هناك المخاوف الأخلاقية. إذ قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تعزيز التحيزات أو إنشاء محتوى مضلّل، ما يعني أنه يجب على المطورين معالجة الآثار الأخلاقية، وضمان عدم التحيّز والشفافية.