أحمد مغربي
وعلى ملاعب الساحرة المستديرة، تستضيف طوكيو مباراة طال انتظارها بين المنتخبين العالميين للروبوتات والبشر.
جسد الروبوت الكروي ورحلة الثلاثين عاماً
بالعودة إلى المباراة الفردية لعام 2014، نتذكر أن جسد الروبوت "آسيمو" لم يكن رياضياً فعلياً. وبجسد معدني ثقيل، سار "آسيمو" في قاعة "المتحف الوطني للعلوم والابتكار" بخطى تشابه البشر رغم ثقل وزنها. بدا الفارق الرئيس في القدم التي تكونت من قطعة واحدة وتتصل بمفصل مع بقية الرجل، فيما تحتوي قدم البشر 26 عظمة منفصلة كلياً.
ولعل يدَي "آسيمو" كانتا أقرب إلى البشر، بفضل مهارات اكتسبها الروبوت عبر تعلّم العزف على الكمان ثم البيانو، وتأرجحت ذراعا الروبوت بطريقة منسقة مع رقبتة وخصره، وبتوازن ربما جاءه من قدرات الروبوت "موراتا بوي" الذي كان أول من يقود دراجة هوائية في عام 2013.
رجع "آسيمو" خطوتين إلى الخلف، مستعرضاً قدراته التي طورتها "هوندا" في عشرين سنة، ثم ركل الكرة باتجاه أوباما، الذي أوقفها بخفة بطرف قدمه، ووصف ركلة خصمة الكروي بأنها "مذهلة".
وتذكر تلك الكلمات بأن الأمر الأساسي في حركة الروبوت يتمثل في التحكم السيبراني فيها. وتعني كلمة سيبراني وجود نظام مؤتمت يُطلق حركة ما ثم يحدد مداها وقوتها بالاستناد إلى معلومات ترجع إليه عبر مراقبته الشيء المستهدف والبيئة المحيطة به. مثلاً، إذا أنت أمسكت بطرف كأس زجاجية ورفعتها، فإنك لا تضغط عليها إلى حد أن تنكسر، ولا ترفعها إلا بسرعة مناسبة وإلى المستوى الذي ترغب فيه، وقد توقفها عند شفتيك كي ترشف الماء منها. تخيّل لو أن كل ذلك يجري بيد وأصابع حديد ميكانيكية تحركها الآلات فيها قوة ضخمة، ستحتاج حينها إلى تحكم سيبراني فائق الذكاء.
ولم يركل "آسيمو" الكرة إلا بالمقدار الذي حدده النظام السيبراني له، ووصلت إلى أوباما الذي حرك قدمه بمقدار يكفي لإيقافها.
ويرجع السبب في المقارنة إلى أن النظام السيبراني دُرِس أصلاً في البشر، ثم مُنح إلى الآلات الميكانيكية ثم المؤتمتة والذكية.
أول روبوت لاعب كروي تفوّق على ميسي
بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي في عشرينيات القرن 21، قلدت أيدي الروبوت المهارات المرهفة لليد البشرية في تقطيع الخضار وحمل الأكواب الزجاجية والطهو واستعمال المكنسة الكهربائية وغيرها. لكن، بقي الفارق بين اليد المؤتمتة والبشرية شاسعاً لمصلحة الثانية.
وفي 2023، ظهر اللاعب الروبوتي الكروي الأول أرتيمس" في أروقة "جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس" الأميركية. وآنذاك، وُصف بأنه يفوق اللاعب الأسطورة ليونيل ميسي. وبطول يقل عن متر ونصف، استطاع "أرتيمس" السير في التضاريس الطبيعية الصعبة والجري بسرعة 126 متراً في الدقيقة، إضافة إلى القفز والانحناء وثني الجذع والتحكم بالرأس والرقبة والقدرة على تنسيق حركة الأطراف العلوية والسفلية وبقية جسمه، بالتناسق مع المعلومات التي تصله من كاميرتين ذكيتين تشكلان عينيه.
ويصعب نسيان المباراة التاريخية أيضاً التي استضافتها مدينة "بوردو" الفرنسية في عام 2023، بين اللاعبين الكرويين الروبوتين "أرتيمس" ونظيره "سويتي" الذي صنعته "جامعة العلوم التطبيقية الألمانية". وتباريا في التسديد على مرمى يحرسه الآخر. وفي ما يشبه مباراة بشرية مصغرة، فازت ألمانيا على أميركا في مباراة الروبوتين.
عضلات وأنسجة الكربون النانوي والكيفلار
وسار تطور الروبوت بسرعة بعد دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى صناعته.
ثم حدث تطور أساسي في 2034، حينما اشتد الشبه بين جسدي الروبوتات والبشر بالبشر، بفضل تقنيات الكربون والـ"كيفلار". ومع تطور صناعة الألياف الكربونية الفائقة المرونة والمتانة معاً، بتقنية النانوتكنولوجيا، ظهرت أجساد روبوتية مصنوعة من أنسجة وعضلات من ألياف الكربون النانوي، خصوصاً الـ"غرافين"، فيما تكونت معظم أجزائها الأخرى من مادة "كيفلار" الخفيفة والأشد قوة من الفولاذ. وقد اعتُبِر الـ"غرافين" حين اكتشافه، المادة الأرهف التي صنعها البشر، وصنّع بالكربون وتقنيات النانو.
وظهر أكثر من لاعب روبوت كروي بأجساد خفيفة نسبياً سُكِبَتْ عضلاتها وجلودها، ومكونات أخرى فيها من الكربون والكيفلار. وقد أدوا مهارات كروية عالية تحكَّم فيها نظام سيبراني مؤتمت يديره الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وفي 2040، انعقدت قمة تاريخية بين مؤسستي "فيفا" التي تنظم كأس العالم لكرة القدم، و"روبو كاب" التي أدارت مباريات خاصة في كرة القدم للروبوت منذ عام 1997 الذي شكل بداية التاريخ الكروي للروبوت.
وتوافق الطرفان على شروط المباراة الكروية الأولى بين البشر والروبوت. والمفارقة، أن الروبوتات ستحضر بأجساد مصنوعة بمعظمها من الـ"كيفلار" ومكسوة بالألياف الكربون والغرافين، فيما سيحضر اللاعبون البشر وقد أُلصِقَ إلى أجسادهم المكسوة بغطاء جلدي شفاف من المادتين السابقتين أيضاً.
هل تكون المباراة بين البشر والروبوت خطوة أخرى على طريق اندماج البشر والروبوت، على غرار ما يتوقع بالنسبة لذكائيهما؟ سؤال مُعَلَّق.