النهار

هل سنشهد نهاية ظاهرة "لايك" بعد عهود طويلة من الهيمنة؟
راغب ملّي
المصدر: النهار العربي
ربما تكون من جيل الـ"لايك" Like وقد عاصرت ثورته في مطلع شبابك، أو من أجيال شهدت تلك الظاهرة. ولعلّك تساءلت عن الأسباب التي دفعت منصة "إكس" وغيرها، إلى عدم إظهار تلك العلامة للعموم على حسابات المستخدمين، مع استمرار ظهورها للمستخدم نفسه.
هل سنشهد نهاية ظاهرة "لايك" بعد عهود طويلة من الهيمنة؟
ظاهرة "اللايك" رافقت الأجيال في الشبكات الاجتماعية
A+   A-

ربما تكون من جيل الـ"لايك" Like وقد عاصرت ثورته في مطلع شبابك، أو من أجيال شهدت تلك الظاهرة. ولعلّك تساءلت عن الأسباب التي دفعت منصة "إكس" وغيرها، إلى عدم إظهار تلك العلامة للعموم على حسابات المستخدمين، مع استمرار ظهورها للمستخدم نفسه.

 

وفي الأصل، هل سبق لنا أن توقفنا وغصنا في التفكير عن ماهية الـ"لايك"، وتأثير رمز الإبهام الصغير الذي ننقر عليه عرضياً على وسائل التواصل الاجتماعي؟

ويشير زر "لايك" إلى الإعجاب والموافقة، كأنه يقول "أعجبني". ونُظِرَ إليه في البداية كأداة بسيطة للمشاركة، لكنه تطور إلى آلية معقّدة ذات آثار بعيدة المدى.

 

 

ظاهرة "لايك" وارتباطها بالأجيال 

في العام 2007، توصلت مجموعة من المهندسين في "فايسبوك" إلى نموذج أولي لميزة جديدة تسمّى "الزر الرائع". وعلى الرغم من قدرتها على إحداث ثورة في تفاعل المستخدم، إلّا انها قوبلت بالرفض في البداية، خوفاً من أن تؤدي إلى إضعاف أشكال المشاركة الأكثر أهمية، مثل التعليق والمشاركة. بعد ذلك، أظهر تحليل البيانات أن هذه الخاصيّة تزيد التفاعلات ولا تقلّلها، وبالتالي، أُطلِقَ ذلك الزر رسمياً في العام 2009.

 

وفي الأساس، يحتوي زر "لايك" على رمز ثنائي: إما أن يُعجب المستخدمون بالمحتوى أو عكس ذلك. وهناك خيار ثالث في عدم المبالاة بذلك الزر.

وسرعان ما أصبح "لايك" وسيلة للمستخدمين في التفاعل. وكذلك صار مقياساً كمياً لقيمة الذات وتحقيق وجودها ومداها الاجتماعي. وأصبح السعي وراءها سلوكاً إدمانياً لدى جمهور واسع من المستخدمين، على امتداد الأجيال إلى الوقت الحالي. وباتت سيكولوجية الإعجابات وحدة تفاعل قابلة للقياس، وعملة متداولة عن مدى تحقيق الذات في العالم الرقمي، ومؤشراً إلى مدى جودة الأداء في لعبة وسائل التواصل الاجتماعي، ومقياساً للقدرة على التأثير في مختلف المجالات والساحات الرقمية.

 

 

"اللايك" يحكمه بروتوكول

بالرغم من الفوضى التي تسود مجتمعات الشبكات الاجتماعية، غير أن مفهوم الـ"لايك" نُظِّم بشكل غير مباشر عبر سلوك كبار مستخدميه من سياسيين، وفنانين، ومشاهير وغيرهم. وانسحب الأمر نفسه على جمهور المستخدمين أيضاً، حيث ساد أيضاً مبدأ المعاملة بالمثل، أي "أعطني علامة لايك، وأنا أعطيها لك أيضاً".

 

منصّات رقمية تخفي الإعجابات

أخيراً، أعلنت منصة "إكس" إزالة قسم إشارة الإعجاب "لايك" من الملفات الشخصية. وبالتالي، لن يتمكن المستخدمون بعد الآن من رؤية من أُعجب بماذا. وذكرت المنصة أنها اختارت إزالة القسم التاريخي الذي جمعها بالكامل لحماية خصوصية المستخدمين بشكل أفضل، ولجعلهم يشعرون بحرّية أكبر في تقييم المحتوى المثير للجدل دون جذب انتباه غير مرغوب فيه.

 

خلال عام 2006 قدّمت منصة "إكس" (تويتر آنذاك) إمكانية إضافة منشور مستخدم آخر إلى قسم "المفضّلة" للعثور بسهولة على التغريدات الأكثر إثارة للاهتمام المتجدد. وظلت هذه الميزة نشطة حتى عام 2015، حين استبدلت فيه الشركة نهائياً هذه الميزة بإشارات الـ"لايك" التي تتميز بانتشارها الهائل وشعبيتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك قرّرت المنصة إلغاء السماح برؤية الإعجابات.

ولم تكن " إكس" هي المنصة الأولى التي قرّرت ذلك. وقد سبقتها منصات عديدة مثل "إنستغرام" التي توفر منذ فترة طويلة القدرة على إخفاء عدد الإعجابات بهدف تقليل الضغط الاجتماعي الذي قد يشعر به بعض المستخدمين حينما لا يحظى منشورهم بالتقدير الكافي.

وكذلك يقدّم "تيك توك" ميزة إتاحة مقاطع الفيديو المفضلة للعموم أو عدم إظهارها.

وفي 2021، قرّر "يوتيوب" إخفاء عدد إشارات عدم الإعجاب على مقاطع الفيديو، بعدما استُخدمت الأداة غالباً لتنظيم حملات كراهية ضدّ منشئي محتوى محددين.

 

قد يبدو قرار جعل الإعجابات خاصة أمراً بسيطاً، لكنه يتعامل مع أبعاد اجتماعية ونفسية داخل وسائل التواصل الاجتماعي.

 

 

دوافع متنوعة وراء إخفاء زر "لايك"

وفي سياق القرار الأخير الذي اتخذه حول إخفاء قسم الإعجابات، صرّح إيلون ماسك بأن التغيير يتيح للمستخدمين استعمال زر الإعجاب مع وقايتهم من الأحكام أو ردود الفعل العنيفة.

وكذلك يعتقد ماسك أن ظهور الإعجابات له جوانب سلبية تفوق الإيجابية، خصوصاً لجهة الإحراج المحتمل الذي قد يسببه.

 

يبدو أن قرار إخفاء علامات الـ"لايك" قد يؤثر في آلية تفاعل الأشخاص مع المنصة، وفقاً للفريق التقني في "إكس" الهندسي. ويتوقع الفريق أن يتشجع الجمهور على التفاعل بحرّية أكبر.

 

إذاً، هل يُعتبر قرار إخفاء علامات الـ"لايك" مسعىً لحماية خصوصية المستخدمين، أم أنه يرتبط بتعزيز تفاعل الجمهور مع منصة "إكس"؟  

 

 

 

رأسمالية المراقبة والتحيّز السياسي

ونظراً لأن "لايك" بات وحدة للقياس، فقد تحوّلت إلى أداة لجمع البيانات، ما يساهم في ما يُعرف بـ"رأسمالية المراقبة"، حيث يتمّ استخدام هذه البيانات لتنظيم الخلاصات، وهو ما أشارت إليه الأكاديمية والباحثة الأميركية شوشانا زوبوف في كتابها "عصر رأسمالية المراقبة: الكفاح من أجل مستقبل إنساني على الحدود الجديدة للسلطة".

وتصف زوبوف هذا المفهوم كشكلٍ جديدٍ من أشكال الرأسمالية التي تحقق الربح من البيانات الشخصية المجموعة من خلال مراقبة أنشطة الأفراد عبر الإنترنت، وترى زوبوف أن أفضل وصف لرأسمالية المراقبة أنها "انقلاب من الأعلى"، أي أنها ليست إطاحةً بسلطة، بل إطاحة سيادة الشعب، كما أنها تمثل قوة بارزة في الانجراف نحو إلغاء الديموقراطية.

 

 

 

ومع تذكُّر وجود منصات "سوشيال ميديا" سبقت "إكس" إلى اتخاذ قرار مشابه، هل سيصبح إخفاء الـ"لايك" سمة عامة لمنصات الشبكات الاجتماعية، مع إمكانية إضعاف مفاعيل ذلك زر الإبهام الصغير وقوته التي رافقت الأجيال؟

 

اقرأ في النهار Premium