النهار

ماذا تقول دراسة حديثة عن أضخم إعصار في النظام الشمسيّ؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
هو الأقدم والأضخم... في الواقع هو أكبر من الأرض نفسها
ماذا تقول دراسة حديثة عن أضخم إعصار في النظام الشمسيّ؟
في النصف الجنوبيّ من كوكب المشتري يظهر أكبر إعصار في النظام الشمسيّ (تلسكوب هابل)
A+   A-

على مسافة من الأرض يفوق متوسّطها 700 مليون كيلومتر، شغلت بقعة حمراء على كوكب المشتري اهتمام العلماء منذ فترة طويلة. سنة 1665، لاحظ عالم الفلك الإيطاليّ جيوفاني كاسيني هذه الظاهرة فسمّاها "البقعة الدائمة". بعد عقود قليلة، فقَدَ العلماء أثر تلك البقعة لنحو قرن من الزمن. سنة 1831، رصدوها مجدّداً.

 

بينما ساد لوقت طويل اعتقادٌ بأنّ "البقعة الحمراء العظيمة" - عبارة عن "إعصار مضادّ" هائل - هي نفسها التي رصدها كاسيني، ترجّح دراسة حديثة صادرة عن "جامعة إقليم الباسك" أنّها بقعة مختلفة. في جميع الأحوال، لا تزال "البقعة الحمراء العظيمة" تتمتّع بتصنيف أقدم دوّامة رياح في المجموعة الشمسيّة.

 

الإعصار المضادّ هو مركز من الضغط الجوّيّ المرتفع تدور حوله رياح باتجاه عقارب الساعة في النصف الشماليّ من الكرة الأرضيّة، وبالعكس في النصف الجنوبيّ منه. الإعصار العاديّ هو منطقة من الضغط الجوّيّ المنخفض الذي تدور حوله الرياح بعكس عقارب الساعة في النصف الشماليّ من الأرض. بسبب اختلاف قيم الضغط الجوّيّ بين الإعصار والإعصار المضادّ، عادة ما تغيب الأمطار مع الأخير.

 

سرعة الرياح

تتميّز "البقعة الحمراء العظيمة" بحجمها الهائل. قطرها أكبر حجماً من قطر الأرض. تختلف إلى حدّ كبير تقديرات سرعة رياحها، لكنّ الاختلافات لا تنفي أنّها أكبر من أيّ شيء شاهدته الطبيعة على كوكبنا، بالحدّ الأدنى، منذ بدء السجلّات. تتراوح سرعة الرياح في هذه البقعة بين 430 كيلومتراً في الساعة و680 كيلومتراً في الساعة. وبحسب أرقام أخرى، هي بلغت نحو 933 كيلومتراً في الساعة.

 

للتذكير، إنّ الرقم القياسيّ لسرعة رياح مسجّلة على الأرض كان سنة 1996 فوق جزيرة بارو الأستراليّة. حينها، بلغت إحدى هبّات إعصار "أوليفيا" سرعة فاقت 407 كيلومترات في الساعة. وهذا يعني أنّ سرعة رياح "البقعة الحمراء العظيمة" قد تبلغ ضعف السرعة القياسيّة المسجّلة على الأرض، علماً أنّ الإعصار المضادّ فوق المشتري دام قرنين من الزمن بالحدّ الأدنى. وهذا هو أحد الألغاز المرتبطة بهذه البقعة.

 
 
 
(صورة للمشتري بالأشعة ما دون الحمراء، مرصد جيميني/ناسا 2017، أب)
 

على الأرض، بالكاد تدوم الأعاصير نحو أسبوع. إنّ فهم آليّات عمل "البقعة الحمراء العظيمة" أمرٌ معقّد بسبب طبيعة المشتري. فهو أوّلاً كوكب غازيّ إلى حدّ كبير بعكس كوكب الأرض حيث أنّ المساحات البرّيّة تضعف عمل الأعاصير. من ناحية ثانية، إنّ المشتري كوكب بالغ الضخامة وهو الأكبر في المجموعة الشمسيّة. لو كان المشتري مجرّد قشرة فارغة لاتّسعَ لنحو 1000 كوكب بحجم الأرض. وهو أيضاً سريع جداً في الدوران حول نفسه إذ يبلغ طول اليوم الواحد هناك 10 ساعات تقريباً. وتحيط به غيوم تحجب الرصد الدقيق لغلافه الجوّيّ الأدنى.

 

سنة 2017، مرّت مركبة "جونو" التابعة لوكالة "ناسا" على ارتفاع 9 آلاف كيلومتر فوق الغيوم التي تعلو "البقعة الحمراء العظيمة" وكشفت بياناتها أنّ البقعة تخترق الغلاف الجوّيّ بعمق 320 كيلومتراً.

 

لماذا هي حمراء؟

من الأسئلة الأخرى المحيطة بالبقعة العظيمة سبب احمرار لونها. هذا اللون لا يميل دوماً إلى الاحمرار بل أحياناً يبدو أقرب إلى اللون البرتقاليّ إن لم يكن أفتح أيضاً. في دراسة تعود إلى سنة 2014 لـ"مختبر الدفع النفّاث" التابع لوكالة "ناسا"، من المرجّح أن يكون اللون الأحمر موجوداً فقط على السطح الخارجيّ للغيوم المحيطة بالإعصار، فيما لون الغيوم الأدنى قد يكون أقرب إلى الأبيض أو الرماديّ.

 

عوضاً عن أن يكون اللون الأحمر عبارة عن موادّ كيميائيّة ترتفع من المناطق الدنيا باتّجاه الغلاف الجوّيّ كما تقول افتراضات سائدة، رجّحت الدراسة أن يكون ناجماً عن تفكيك لموادّ كيميائيّة بفعل الضوء ما فوق البنفسجيّ الآتي من الشمس.

 

إلى جانب هذه البقعة، تقع بقعة أصغر حجماً تُعرف باسم "البقعة الحمراء جونيور" وقد نتجت عن اندماج عواصف أخرى سنة 1998 وتحوّلت أيضاً إلى اللون الأحمر سنة 2006. قبلها، كانت هذه البقعة معروفة باسم "الإهليجيّ الأبيض". وتمرّ البقعة الصغيرة بالقرب من الكبيرة كلّ عامين تقريباً.

 

ماذا تقول الدراسة الحديثة؟

بحسب الدراسة الصادرة عن جامعة إقليم باسك والمنشورة في مجلّة "جيوفيزيكال ريسيرتش ليترز" يوم 16 حزيران (يونيو)، وجد الباحثون أنّه عند مقارنة الرسومات الأولى للبقعة (1665 و1713) بالصور الأحدث، توجّب أن يكون قطر البقعة قد نما بنحو 160 كيلومتراً في السنة، بين 1713 و1879 كي تكون البقعتان هي نفسها. لكن لم ينمُ أيّ إعصار على المشتري بهذه السرعة، كما أنّ الإعصار المضادّ يتقلّص كما تظهر بعض الأبحاث. في أواخر السبعينات، أمكن أن تتّسع البقعة الحمراء لثلاثة كواكب أرضيّة، واليوم هي أكبر بقليل من الأرض. بعبارة أخرى، هي لا تزال قادرة على ابتلاع كوكبنا.

 

 

(مقارنة تعبيريّة بين حجمي الأرض والبقعة الحمراء العظيمة)
 

لكن ثمّة دراسة أخرى صادرة سنة 2019 عن جامعة كاليفورنيا في بيركلي تقترح أنّ ما يتقلّص فعليّاً هو حجم الغيوم لا الإعصار المضادّ نفسه. من جهته، يعتقد سكوت بولتون من "معهد ساوث وست للأبحاث" في تكساس أنّ نظام الضغط الجوّيّ هذا هو نفسه الذي شوهد في القرن السابع عشر، لكنّه يتطوّر مع مرور الوقت. وأشار بولتون الذي درس المرّيخ لفترة طويلة في مهمّة "جونو" إلى أنّ الأمر يتطلّب مصادفة كبيرة جداً كي يدرس العلماء الظاهرة نفسها على خطّ العرض نفسه أو حتى خطّ عرض قريب منه.

 

في جميع الأحوال، سيجري الباحثون أنفسهم مزيداً من الدراسات المستقبليّة لمعرفة ما إذا كانت البقعة العظيمة ستدوم لسنوات مقبلة أو سيكون مصيرها الفناء.

 

اقرأ في النهار Premium