للحصول على صورة أولية عن سلاسل التوريد، فلنفترض أنّنا نريد نقل أطنان موز من البرازيل إلى دبي، ولنتخيّل مجموع الأعمال والنشاطات والتنقّلات والوسائط والوسائل وما إلى ذلك، التي تكفل عملية النقل، بما في ذلك الحسابات المرتبطة بالمواسم والأحوال الجوية وأحوال مياه المحيط والبحر وعمليات التأمين وإجراءات السلامة للسلع والنواقل والمرافئ والبشر والطاقة وغيرها.
البشر والطاقة وذكاء الآلات
تُعرف سلاسل التوريد بأنّها مجموعة النشاطات والإجراءات والتدخّلات التي تربط بين المواد الخامّ بأنواعها المختلفة، وبين أسواق المستهلكين. ويشمل ذلك العنصر البشريّ وأنشطته المختلفة، والمعارف العامة والتقنية والإدارية المتعلّقة بتلك الموارد. ومن الواضح أنّ السياسة و"الإستراتيجيا" والتخطيط وصنع القرار، تندرج ضمن العوامل الأساسية في سلاسل التوريد وعملها.
وبديهي أنّ تلك الأمور كلّها ترتبط بنسيج وثيق مع الاقتصاد، وكذلك الحال بالنسبة إلى الطاقة التي تعتبر من شرايين الحياة لتلك السلاسل، وكذلك فإنّها تربط أعمال سلاسل التوريد مع البيئة.
ومع ثورة المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، أدّت الأشكال المختلفة من أتمتة الأعمال، أي أدائها بصورة أوتوماتيكية بالاعتماد على الآلات الذكية، إلى تسريع التجارة العالمية وتنشيط سلاسل التوريد وضخ معطيات وآليات جديدة فيها، خصوصاً أنّها ترافقت مع العولمة وانتشار شبكة الإنترنت وتطوّر الاتصالات الفضائية وغيرها. وبالتالي، صارت منصات الإنترنت مساحة أساسية لإدارة عمليات سلاسل التوريد.
ومع ظهور الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ، دخلت عمليات الأتمتة في سلاسل التوريد إلى مرحلة نوعية مختلفة. وتزامن ذلك مع الانتقال إلى التركيز على الطاقة المستدامة بأشكالها المختلفة.
وأخيراً، أطلقت شركة "كيناكسيس"Kinaxis منصّة "مايسترو" Maestro، لتكون الأولى في إدارة سلاسل التوريد بالاستناد إلى الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ. توفّر المنصّة مزيجاً من التقنيات والأساليب الحسابية الخاصّة التي تضمن الشفافية والمرونة عبر سلسلة التوريد بأكملها، بدءًا من التخطيط الإستراتيجيّ متعدّد السنوات وحتّى التسليم في المرحلة الأخيرة.
وباستنادها إلى الذكاء التوليديّ، تعتبر "مايسترو" تطويراً نوعيّاً للمنصّة الرئيسيّة "رابيد ريسبونس" RapidResponse التي تعمل بالذكاء الاصطناعيّ التقليديّ، وقد استندت إليها شركة "كيناكسيس" سنوات طويلة. وتتضمّن "مايسترو" تقنيات متقدّمة تساعد فرق العمل في سلاسل التوريد، للتحرّك بشكل أسرع وأكثر ذكاءً في السيطرة المتقنة على تعقيدات سلاسل التوريد الحديثة.
ومثلاً، استجابة للطلب المتزايد على سيارة كهربائية جديدة، قد تشعر إحدى شركات تصنيع تلك المركبات بالقلق إزاء نقص مخزوناتها من مكوّنات ذلك النوع من السيارات. عند هذه النقطة، يبرز دور "مايسترو" في توجيه الموارد والعمليات بأفضل الطرق لضمان استمرارية سلاسل التوريد وتدفّق تلك المكوّنات عبرها.
ماذا يقدّم الذكاء الاصطناعيّ لسلاسل التوريد؟
تعتمد إدارة سلاسل التوريد بشكل أساسيّ على البيانات، تستطيع البرمجيات المدعومة بالذكاء التوليديّ معالجة مجموعات أكبر بكثير من البيانات، بالمقارنة مع الأشكال السابقة للأتمتة التي تستند إلى الذكاء الاصطناعيّ التقليديّ. وكذلك يمكن للذكاء التوليديّ أن يُدرَّب، بل ويدرِّب نفسه أيضاً، حول الفروق الدقيقة في مجمل منظومة سلسلة التوريد لشركة ما، ما يولِّد تحليلات أكثر دقّة، تضحي أكثر صقلاً ورهافة مع الوقت.
وتشمل قائمة التطوّر الذي يدخله الذكاء التوليديّ، الأمور الآتية:
1- التنبّؤ وإدارة المخاطر
يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليديّ معالجة كميات هائلة من البيانات والمعلومات، إضافة إلى استخدام البيانات في الوقت الفعليّ لإنشاء مخطّطات أكثر دقّة وانضباطاً، في الوقت المناسب. ويستطيع ذلك الذكاء احتساب أيّ متغيّر يؤثّر على عمليات الإنتاج والشحن، بما في ذلك الطقس وغلّة المحاصيل، والتيّار الكهربائيّ، وقضايا العمل، وازدحام الموانئ، وتأخير التصنيع، ونقص المواد، وأسعار المكوّنات، وغيرها.
واستطراداً، يستطيع الذكاء التوليديّ تقديم توقّعات عن مسار العمليات في الوقت الفعليّ الذي تجري فيه. ويساعد ذلك على توقّع الاختناقات في سلاسل التوريد، وصياغة خيارات الطوارئ، وتخطيط الاستجابات التي تتفاعل بمرونة مع التقلّبات في العرض والطلب.
2- إدارة المخزون
بالإضافة إلى معرفة مكان وجود كلّ شيء بالضبط عبر سلسلة التوريد بأكملها، تستطيع أدوات الذكاء التوليديّ أن تحوّل إدارة المخزون إلى مساحة للربح عبر تحليل معمّق لبيانات المخزون، إضافة إلى استخدام بيانات الأسعار وتتبّع تناقل المنتجات إلى أسواق ترتفع قيمتها فيها، وزيادة فاعلية إدارة مناطق التجارة الحرّة والخارجية وغيرها، مع تجنّب هدر الوقت والطاقة.
3- لوجستيات النقل
تستطيع أدوات الذكاء التوليديّ تحسين خيارات النقل والتسليم بناءً على أنماط حركة المرور في الوقت الفعليّ، والظروف الجوّية، ومتغيّرات أخرى. ويمكن لهذه الأنظمة أيضًا تقليل وقت تعطّل المركبات من خلال تحديد الطريقة الأكثر كفاءة لصيانة السيارات والشاحنات والسفن والطائرات وما إلى ذلك.
وبالتالي، تقدر تلك الأدوات أن تخفّض البصمة الكربونيّة للعمليات في سلاسل التوريد عبر تحديد أفضل الطرق النظيفة والأكثر كفاءة في استهلاك الوقود لنقل البضائع حول العالم.