في خضم المنافسة المحتدمة بين شركات التكنولوجيا الذكية المتقدّمة، أطلقت شركة "أنثروبيك" Anthropic الناشئة في الذكاء الاصطناعي التوليدي نموذجها المُطوّر في تلك التقنية، وحمل اسم "كلود 3.5" Claude 3.5. ولم تتردّد الشركة في إبداء طموحها بأن يتفوق منتجها على "شات جي بي تي"، لكن مراجعات نقدية في مواقع علمية بيّنت أن "كلود 3.5" يتفوق في بعض الجوانب وليس كلها، ما يعطي فكرة عن مدى احتدام المنافسة في الصناعة الصاعدة للذكاء التوليدي.
ما هي "أنثروبيك"؟
توصف "أنثروبيك" بأنها شركة أميركية ناشئة تعمل في حقل الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتقدّم نفسها على أنّها تعتمد سياسات التركيز على السلامة، وتُعطي الأولوية للتطوير الآمن والمسؤول للذكاء التوليدي على حساب التسويق والأرباح.
تأسست الشركة في العام 2021، على يد مجموعة باحثين انشقوا عن شركة "أوبن إيه آي" بسبب مخاوف من عدم جدّية الأخيرة بشأن مأمونية أنظمة الذكاء التوليدي. وضمّت هذه المجموعة الشقيقين والمديرين التنفيذيين السابقين في "أوبن إيه آي"، داريو أمودي ودانييلا أمودي، اللذين يقودان "أنثروبيك" حاضراً.
وحصلت الشركة على دعم بمقدار 8.36 مليارات دولار، شمل صفقات كبيرة مع الشركات الكبرى مثل "أمازون" و"غوغل".
لمحة عن متنافسين
يعدّ Claude 3.5 الذي طورته "أنثروبيك" نموذجاً للذكاء الاصطناعي التوليدي، مصمّماً لفهم المطالبات المختلفة والاستجابة لها. ويُثير النموذج إعجاب مستخدميه في فهمه لسياق النصوص وبراعته اللغوية. ويستند إلى قرابة 200 ألف مؤشر على السياق في النصوص، ما يعطيه تفوقاً كبيراً في فهم سياق الكلمات والجمل وما تحمله من دلالات.
ويُنظر إليه كخيار جاذب للمشاريع التي تتطلّب لمسة من الذوق والإبداع، نظرًا لقدرته الاستثنائية على إنتاج كتابة خيالية ومنطقية.
وكذلك فإنه أسرع مرّتين من نسخته السابقة وأقل ثمناً منها.
ومن ناحية أخرى، وُصِفَ "جي بي تي او" بأنه تطور مهمّ في منتجات "أوبن إيه آي" يعِدُ بتوسيع حدود فهم الذكاء الاصطناعي التوليدي للغة. وزُوِّد بقاعدة معارف أوسع وقدرات أعلى في الحوسبة الرقمية المؤتمتة.
عائلة "كلود" ونماذجها المكوِّنَة الثلاثة
بصورة عامة، يشمل نظام "كلود" للذكاء التوليدي الذي تصنعه "أنثروبيك"، ثلاثة نماذج أساسية، توصف أحياناً بأنها عائلة نماذج. وقد أعطتها الشركة تسميات توحي بالصفات الرئيسية فيها. إذ يوصف نموذج "سونِت" Sonnet بأنه الطفل الأوسط "المجتهد" في أداء "المهام الفعّالة وعالية الإنتاجية". ولوحِظَ أنه يتفوق على "جي بي تي 4 او" في المعدل العام للدقة، إضافة إلى تألقه في النقاش التقني والقدرة على التوقع. ويمتلك صفات لغوية متقدّمة، خصوصاً لجهة فهم سياق الكلام، ويفيد في التعامل مع الحوارات والنصوص وأنواع الكتابات وغيرها.
ويبرز في تلك العائلة، نموذج "أوبس" Opus المتميز بقوة الأداء في المهمّات الفكرية المعقّدة والشائكة على غرار الرياضيات وصوغ شيفرات برامج الكومبيوتر والبرامج التي تُحرِّك تطبيقاته. وينفع في أعمال البحث والتحليل المعمّق والأعمال اللغوية.
وفي هذا المعنى، يحلّ النموذج "سونِت" في الوسط بين "أوبس" الرزين والمتعمّق، ونموذج "هايكو" Haiku السريع الذي يشابه ما يحصل في اللقاءات الإنسانية اليومية والعادية. ولوحِظ أن "هايكو" ليس جاهزاً بعد للعمل في نظام "كلود 3.5" المتوفر كمنتج احترافي بصيغتين ومدفوعة الأجر.
ويتوفر نظام "كلود" كمنتج "احترافي" مجاني ومدفوع الأجر.
ومع هذه الثلاثية المتناغمة، بدا "كلود إيه آي" متقدّماً في مناحٍ كثيرة على برامج الذكاء التوليدي من "أوبن إيه آي"، ويبقى أمر المقارنة رهناً بما يبحث عن المستخدم في تلك النماذج، والمهمّات التي يريد إنجازها بالاستناد إلى ذكاء الآلات.
تفاصيل منافسة متشابكة
رصدت بعض الاستطلاعات مجموعة من الفوارق بين نموذجي الذكاء التوليدي لدى "أوبن إيه آي" و"أنثروبيك". ومن المستطاع تقديم بعض تلك الفوارق. ومثلاً، تفوق "سونِتْ" على GPT-4o بفارق وازن (59.4% مقابل 53.6%) في التفكير المنطقي من النوع الذي يفترض وجوده عموماً لدى خريجي الجامعات. وتغيّر ميزان التفوق بمعدل ضئيل بالنسبة إلى التفكير المنطقي لما قبل إنهاء المرحلة الجامعية.
وكذلك تفوّق "كلود" على "جي بي تي 4 او" في مهمّات البرمجة (92% مقابل 90.2%). ولعلّ ذلك يفسّر ميل فرق تطوير البرمجيات لاستعمال "كلود" في أعمالها، إذ يمكنها من تصميم خوارزميات عالية الفاعلية لبرمجيات الكمبيوتر.
وأُخضِع النموذجان إلى امتحان "أم جي إس إم" MGSM الذي يُعتبر معياراً عالمياً للتمرّس بالرياضيات على مستوى نهاية المرحلة الثانوية. وسجّل "كلود 3.5" تفوقاً بسيطاً (91.6% مقابل 90.5%) على منافسه "جي بي تي 4 او". وقد تفيد هذه الميزة من يعملون على إنشاء منصات تعليمية ذكية مخصصة للرياضيات.
ويتمثّل أحد الاختلافات الكبيرة بين النموذجين في أن "كلود" يُعتبر بشكل عام أفضل في إنتاج استجابات آمنة باستمرار، بمعنى تجنّب الفبركة في الإجابات. ويرجع السبب في ذلك إلى أن النماذج الذكية في "كلود" صمِّمَتْ ودُرِّبَتْ باستخدام نظم تلتزم ببروتوكولات ملتزمة بالقوانين والتشريعات، وهي تعطي أولوية لذلك الالتزام على حساب المسارعة إلى تقديم إجابات في كل مرّة يطلب منها المستخدمون ذلك.