في مشروع طموح يمزج بين علم الكائنات الحية القديمة والتقنيات الحديثة، يعمل العلماء على بناء كروموسومات الماموث الصوفي الذي عاش قبل نحو 52 ألف عام، وانقرض قبل آلاف الأعوام. وقد يفضي هذا العمل العلمي إلى إحياء هذا النوع المفقود، ما يفتح آفاقاً جديدة في مجال علم الأحياء وعلم الوراثة.
يعيد هؤلاء العلماء بناء كروموسومات الماموث مستخدمين تقنيات الهندسة الوراثية المتقدمة مثل "كريسبر كاس 9" CRISPR-Cas9، ومستندين إلى عينات من حمضه النووي مستخرجة من بقايا مجمدة محفوظة في التربة الصقيعية بسيبيريا وألاسكا، فيحللونها ويعيدون تركيبها لإنشاء كروموسومات كاملة، يمكن دسّها في خلايا مضيفة... وتعود البشرية إلى العصر ما قبل الجليدي!
ماموث في فيل آسيوي
توصف التقنية الحديثة المستخدمة بأنها "تحرير" الجينات، بمعنى إعادة صوغ تركيبتها مع إدخال تعديلات دقيقة عليها، ما يغيّر تركيبة الحمض النووي الذي يتألف من مجموعات كبيرة منها.
وبالتالي، من المستطاع مزج جينات الماموث في الحمض النووي الموجود في أنوية خلايا الفيل الآسيوي، أحد أقرب الأقرباء الأحياء إلى الماموث المنقرض. وبعد فترة التكاثر الأولي، تبدأ الخلايا الجذعية في الظهور، ثم تؤخذ وتُعدل بما يضمن احتوائها على كروموسومات الماموث الصوفي وحده. وبعد ذلك، تتكاثر تلك الخلايا الجذعية وتتحول إلى جنين كامل.
وهذا الماموث المسكين اختفى في نهاية العصر البليستوسيني، قبل 10 آلاف عام. فقد تصيّده الإنسان الأول ليأكل لحمه ويحوّل عظامه وأنيابه إلى سلاح. كذلك ساهمت التغيرات المناخية في انقراضه، بعدما أثّّرت الحرارة المرتفعة في مصادر غذائه. ويرجح العلماء أيضاً أن يكون قد انقرض بسبب وباء ما حلّ بالأرض في ذلك العصر.
وتشير صحيفة "دايلي ميل" البريطانية إلى اكتشاف حفرة في شمال شرق سيبيريا في عام 2018، فيها أحفورة ماموث صوفي، حفظ البرد القارس جسمه "استثنائياً، بما في ذلك حمضه النووي المحفوظ بحالة تشبه الزجاج. وأتاح هذا الاكتشاف المهم للعلماء فرصة فريدة لدراسة تكيفات الماموث مع بيئته". وتبدّى هذا الاكتشاف ككنز ثمين في عيون العلماء. وانكبوا على تحليل ما في الأحفورة من جينات وراثية، ما فتح الباب واسعاً أمام اقتراح إعادة إحياء الماموث الصوفي باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية.
هشّة... ولكن!
من جهة أخرى، ذكرت مجلة "سيل" Cell أن الدكتور إيريز ليبرمان آيدين، أحد القيمين على الدراسة من كلية بايلور للطب في تكساس، يعتقد أن الكروموسومات أشياء هشة لا يمكن أن تُحفَظ فترة طويلة خارج الكائن الحي خلافاً للحمض النووي.
وفي المقابل، يرى فريق البحث "إن المعلومات الوراثية المحفوظة في أحفورة سيبيريا هي أكثر تفصيلاً من معظم شظايا الحمض النووي القديمة التي عُثر عليها".
وآيدين مطمئن لنجاح خطّة تلقيح الفيل الآسيوي مع التعديلات الدقيقة اللازمة لكروموزومات الماموث، إذ تصل نسبة التشابه بينهما إلى 99 في المئة.
وبحسب آيدين، "يمكننا الآن أن نرى، لأول مرة، أن ثمة جينات كانت نشطة في جلد الماموث الصوفي ولم تكن نشطة في الفيلة، والعكس صحيح".
إذا نجح العلماء في إحياء الماموث، فهل نعود إلى نغمة إحياء أنواع منقرضة أخرى؟ هل يعيد العلماء الديناصورات إلى الأرض؟ أليس هذا بمخيف؟ فحتى مشاهدة سلسلة أفلام "جوراسيك بارك" كانت مثيرة للهلع!