في خطوة رائدة تهدف إلى الحفاظ على البيئة البحرية وتعزيز التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط، أعلنت جمهورية قبرص عن إنشاء أول مشتل عائم للشعاب المرجانية في المنطقة. يأتي هذا المشروع الطموح كجزء من الجهود العالمية لمكافحة تأثيرات التغير المناخي واستعادة النظم البيئية البحرية التي تعرضت للتدهور بسبب الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية.
يعتبر هذا المشتل العائم إنجازاً تقنياً وبيئياً متقدماً، حيث يعتمد على أحدث التقنيات في زراعة الشعاب المرجانية وإعادة تأهيل الموائل البحرية. سيسهم المشروع في توفير ملاذ آمن للشعاب المرجانية وتنميتها في بيئة محمية، ما يعزز من قدرتها على الصمود والنمو، وبالتالي يدعم التنوع البيولوجي البحري في المتوسط.
تأتي هذه المبادرة في وقت حرج تشهد فيه الشعاب المرجانية حول العالم تدهوراً غير مسبوق نتيجة لارتفاع درجات حرارة المياه وتحمض المحيطات والتلوث. ومن المتوقع أن يلعب المشتل العائم دوراً محورياً في الأبحاث العلمية والدراسات البيئية التي تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة للتحديات البيئية التي تواجه الشعاب المرجانية.
قبالة ساحل مدينة أيانابا الواقعة في جنوب شرق الجزيرة، كان ثلاثة باحثين يرتدون ملابس الغوص، يستكملون الاستعدادات للغوص في المياه الكريستالية الصافية، وألصقوا على عصي مرقمة أجزاء من شُعب مرجانية محلية النوع، حفظتها لأسابيع عدة إدارة مصايد الأسماك والبحوث البحرية في الجزيرة، وبعد دقائق قليلة، كانوا يعملون على عمق نحو خمسة أمتار على تثبيت الشعب المرجانية على شبكة مشتل عائم يقع بالقرب من نقطة كابو غريكو وفقاً لما جاء في تقرير أ.أف.ب.
وأوضح الباحث المشارك في المعهد البحري القبرصي الدكتور لويس هادجيوانو، المسؤول عن الأبحاث حول مرجان كيسبايتوزا التشعبي Cladocora caespitosa (أو المرجان الوسادي الشكل) أن وجود هذا النوع من المرجان المتوسطي تراجع في السنوات الأخيرة بسبب التغيّر المناخي، مؤكداً أنه يسعى إلى "استعادته".
وشرح هادجيوانو لصحيفة أ.أف.ب. أن ترميم الشعب المرجانية في قبرص كان في البداية يتمثل في تثبيتها في قيعان صخرية، تشكّل موطنها الطبيعي، "ثم خطرت لهم فكرة تجربة هذه المشاتل العائمة، لأنها تساعد على إبعادها خلال نموّها عمّا يمكن أن يضرّ بها، وعن "مسببات الأمراض" أو حتى عن "عواقب السياحة غير المستدامة".
ويتوافر مرجان كيسبايتوزا التشعبي في مناطق ضحلة جداً في قبرص عامةً على صخور يتراوح ارتفاعها بين صفر وأربعة أمتار، وبحسب الباحث، "قد يمشي السياح عليها، من خلال جعلها تطفو، نبعد عنها بعض العوامل الضاغطة"، مشيراً إلى أنها "أول دراسة تجريبية لاختبار المشاتل العائمة في البحر الأبيض المتوسط" بهدف تقييم فاعليتها.
وقال البروفسور بوكي رينكيفيتش من المعهد الوطني لعلوم المحيطات في حيفا لوكالة "فرانس برس" إن هذه التقنية استخدمت للمرة الأولى عام 2000 في البحر الأحمر شمال خليج إيلات بالقرب من الحدود الأردنية، وقد تم اختبارها في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في تايلاند والفلبين وموريشيوس وسيشيل وزنجبار وكولومبيا وجامايكا، ولاحظ رينكيفيتش أن المشاتل العائمة "أعطت نتائج جيدة" لنحو مئة نوع مختلف من المرجان.
تم تركيب مشتلين في منطقتين بحريتين محميتين في قبرص، إحداهما كابو غريكو والثانية بالقرب من مدينة أيانابا. وتقع كتل الإرساء الضخمة على عمق 11 و17 متراً على التوالي، وفي نهاية حزيران (يونيو)، تم تركيب عشر قطع مرجانية على كل مشتل عائم وسيتم تحليلها كل شهر أو شهرين للتأكد من وضعها. ويوضح هادجيوانو أنهم يطمحون لاستزراع ما لا يقل عن مئة في كل حاضنة لأغراض هذه الدراسة.
تندرج هذه التجربة في إطار مشروع "إيفيكتيف" EFFECTIVE الذي أطلق العام الفائت بتمويل من الاتحاد الأوروبي بهدف "استعادة الرأسمال الطبيعي للبحر الأبيض المتوسط"، بحسب ما أوضح عالم الأحياء والباحث المشارك في إدارة مصايد الأسماك والبحوث البحرية مانوس مورايتيس (36 عاماً) لوكالة فرانس برس، علماً أن النظم البيئية البحرية القبرصية تتعرض للتهديد بسبب التغير المناخي وكذلك السياحة الجماعية والتنمية الساحلية والتلوث الزراعي.
بحسب الدكتور هادجيوانو، في عام 2015، بين 30 إلى 40 في المئة من الشعب المرجانية التي كان الباحثون القبارصة يدرسونها "نفقت جزئياً" بعد موجة حر، وأكّد أنهم مع تفاقم أزمة المناخ، ستنفق نسبة أعلى من الأنسجة المرجانية الحية، واعتبر أن مرجان كيسبايتوزا التشعبي نوع "مهم جداً" في البحر الأبيض المتوسط، لأنه "قادر على بناء منشآت حيوية كبيرة، قريبة من تلك الموجودة في الشعب الاستوائية".
تتطلع قبرص التي لطالما كانت معروفة بجمال سواحلها وثراء بيئتها البحرية، من خلال هذا المشروع إلى تعزيز مكانتها كوجهة بيئية رائدة، وجذب اهتمام المجتمع الدولي نحو أهمية الحفاظ على الشعاب المرجانية وتبني ممارسات مستدامة تضمن حماية البيئة البحرية للأجيال القادمة.