تستمر المنافسة المثيرة في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي بين شركات التكنولوجيا الكبرى. يبدو أن شركة "ميتا" تقترب من تحقيق إنجاز ملحوظ في هذا المجال مع إعلانها الأخير عن نموذجها الجديد بالذكاء التوليدي "لاما 3"، حيث ستكشف الأيام المُقبلة عن تجارب المستخدمين.
التأثيرات المُحتملة لنموذج "ميتا" الجديد
يعتقد بعض المطوّرين أن إصدار "لاما 3" الجديد قد يكون له آثار واسعة النطاق على تطوير الذكاء التوليدي. تُشير ستيلا بيدرمان، المديرة التنفيذية لمشروع EleutherAI (وهو مشروع مفتوح المصدر للذكاء التوليدي)، إلى أن "لاما 3" ليس مفتوح المصدر بالكامل. ومع ذلك، تقول بيدرمان إن التغيير في أحدث نموذج من "ميتا" سيسمح للمطوّرين بتدريب نماذجهم الخاصة باستخدام "لاما 3"، وهو الأمر الذي تحظره معظم شركات الذكاء التوليدي حالياً.
وفي رأيها، "هي صفقة كبيرة حقاً". وعلى عكس أحدث نماذج "أوبن إيه آي" و"غوغل"، فإن اللاما ليس مُتعدّد الوسائط، ما يعني أنّه ليس مصمّماً للتعامل مع الصور والصوت والفيديو. غير أن شركة "ميتا" تقول إن نموذجها أفضل بكثير في استخدام برامج أخرى مثل متصفح الويب، وهو أمر يعتقد العديد من الباحثين والشركات أنه يمكن أن يجعل الذكاء التوليدي "أكثر فائدة".
يقول المؤسّس والرئيس التنفيذي لشركة ZAKA والخبير في الذكاء التوليدي كريستوف الزغبي لـ"النهار" أن "النموذج يقدّم تحسينات كبيرة مقارنةً بالإصدارات السابقة. يتميّز بأحجام نموذج أكبر تصل إلى 405 مليار مُعلمة، ما يمكنه من التعامل مع مهام أكثر تعقيداً بدقة أكبر. يمتلك طول سياق موسع يصل إلى 128,000 رمز، ويدعم لغات مُتعدّدة، ويتميّز بقدرات متقدمة في البرمجة، والمعرفة العامة، والترجمة المتعددة اللغات. هذا يجعله متعدد الاستخدامات في تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية، مساعدات البرمجة، وإنشاء المحتوى".
نموذج متعدّد المهام يحسّن تجربة المستخدم
كغيره من نماذج الذكاء التوليدية المفتوحة والمغلقة المصدر الأخرى، يتيح نموذج "ميتا" الجديد أداء مجموعة متنوعة من المهام، بما في ذلك البرمجة والإجابة عن أسئلة الرياضيات الأساسية، وحتى تلخيص المستندات بثماني لغات (الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والهندية والإسبانية والتايلاندية). إنه يتعامل فقط مع النص، ما يعني أنه لا يمكنه الإجابة عن أسئلة تتعلق بصور محددة، ولكن معظم المهام المستندة إلى النص، مثل تحليل ملفات PDF وجداول البيانات، تقع ضمن نطاق اختصاصه.
ويشرح الزغبي: "لقد أظهر النموذج الجديد أداءً متميزاً في أكثر من 150 اختباراً للمعايير عبر لغات مختلفة. كشفت التقييمات الشاملة التي أجرتها ميتا أن Llama 3.1 لا يُنافس فقط بل غالباً ما يتفوّق على النماذج الرائدة مثل GPT-4 وClaude 3.5 Sonnet في المهام المتعلقة بالمعرفة العامة والبرمجة والرياضيات. يتفوّق النموذج بشكل خاص في معايير الرياضيات والبرمجة، مما يعكس قدراته المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، حتى الإصدارات الأصغر من Llama 3.1 تؤدي بشكل تنافسي ضد النماذج ذات الحجم المماثل، سواء المفتوحة أو المغلقة المصدر".
ترغب "ميتا" في الإعلان عن تجربة الوسائط المتعددة. وأفاد الباحثون في الشركة أنهم يعملون بنشاط على تطوير نماذج قادرة على التعّرف إلى الصور ومقاطع الفيديو وفهم (وتوليد) الكلام. ومع ذلك، فإن هذه النماذج ليست جاهزة بعد للإصدار العام.
وفي سياق الإعلان قال أحمد الدحلة، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي التوليدي في "ميتا" إنّها ستُحسّن على وجه الخصوص تجربة توليد كود كمبيوتر.
وعن هذه النقطة يشرح الزعبي: "هذا يعني أن النموذج مصمّم لفهم وإنتاج لغات البرمجة بشكل أفضل، ما يجعله أداة قوية للمطورين. تقنياً، يأتي هذا التحسين من تدريب النموذج المتقدم على مجموعات بيانات كبيرة تتضمن أمثلة برمجية متنوعة. علمياً، يستخدم النموذج قدرات متقدمة في فهم وتوليد اللغة للمساعدة في كتابة وتصحيح وتحسين الأكواد، مما يزيد من الإنتاجية ويقلل من الأخطاء للمبرمجين".
ويختم الزعبي، بأن قرار "ميتا" بجعل Llama 3.1 المفتوح المصدر يعكس التزامها بنظام بيئي مفتوح للذكاء التوليدي، حيث أكّد مارك زوكربيرغ أن الذكاء التوليدي مفتوح المصدر يفيد المطورين من خلال تمكينهم من التخصيص والتحسين وزيادة الكفاءة. بالنسبة لـ"ميتا" يعني وجود مجتمع أكبر تقدماً وأسرع وابتكاراً. ويضيف الزعبي، علاوة على ذلك، يعزّز الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر التنوع العالمي وإمكانية الوصول، مما يقلّل من السيطرة المركزية. نظرًا لهذه التأكيدات القوية، من المحتمل أن يبقى Llama 3.1 مجانيًا، مما يدعم بيئة تطوير شاملة ومتنوعة.
مخاوف مُستمرة
أثار نهج الشركة المفتوح المصدر مخاوف بعض السياسيين والناشطين وباحثي الذكاء التوليدي من إمكانية استخدام التكنولوجيا من قبل المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة أو من قبل المجرمين والمحتالين. لكن الشركة قدمت على مدار العام الماضي دفاعاً شرساً عن نهجها، وفي يوم الثلثاء، ضاعف زوكربيرغ رسالته، قائلاً إن الأدوات المفتوحة يمكن فحصها بسهولة أكبر من قبل الباحثين والمنظمين مقارنة بالأنظمة المغلقة التي بناها منافسوه.