في أعماق المحيط الأطلسي الشمالي، حيث البرد القارس والمياه الداكنة، تم اكتشاف إحدى أكثر المخلوقات البحرية إثارة للإعجاب والغموض: سمكة قرش غرينلاند. هذه السمكة العملاقة التي يمكن أن تعيش لأكثر من 400 عام، تُعتبر واحدة من أطول الفقاريات عمراً على وجه الأرض.
يفتح الاكتشاف الذي أدهش العلماء وأثار الفضول حول أسرار بقائها وصمودها في هذه البيئة القاسية نافذة جديدة لفهم عمر الفقاريات الطويل وقدرتها على التكيف مع التحديات البيئية. ومن خلال هذا التقرير، نستعرض تفاصيل هذا الاكتشاف المذهل وأهمية سمكة قرش غرينلاند في الأبحاث العلمية والتنوع البيولوجي بحسب ما نشره موقع The Brighter News.
توصل فريق بحثي بقيادة عالم الأحياء البحرية في جامعة كوبنهاغن جوليوس نيلسن إلى هذا الاكتشاف الرائد، ووجدوا سمكة قرش في غرينلاند يبلغ عمرها 272 عاماً على الأقل، وربما يصل عمرها إلى 500 عام، وهذا الرقم يتجاوز الرقم القياسي السابق الذي سجله حوت مقوس الرأس يبلغ عمره 211 عاماً.
كيف يتم تحديد عمر أسماك قرش غرينلاند؟
يتم عادة تحديد عمر العديد من الأسماك عن طريق حساب طبقات النمو في "أحجار" كربونات الكالسيوم الموجودة في آذانها، على غرار حساب حلقات الأشجار. لكن قرش غرينلاند يفتقر إلى هذه الآذان وأنسجة أخرى غنية بالكالسيوم مناسبة لهذه الطريقة من الحساب، لذا يستخدم العلماء تقنية مختلفة: فحص العدسات في عيونها.
تتكون عدسة عين القرش من بروتينات تتراكم بمرور الوقت وتبدأ بالتشكل مع بداية تكون القرش في رحم أمه. فمن خلال معرفة عمر هذه البروتينات، يمكن للعلماء تقدير عمر القرش.
وللقيام بذلك، استخدم العلماء طريقة تأريخ الكربون المشع التي تقيس مستويات الكربون 14، وهو نوع من الكربون يتحلّل بمرور الوقت. ومن خلال تطبيق هذه التقنية على البروتينات في مركز كل عدسة، تمكّن العلماء من تقدير نطاق عمر واسع لكل سمكة قرش.
ومن المثير أن إحدى سمكات القرش المكتشفة، وطولها خمسة أمتار، يبلغ عمرها 272 عاماً على الأقل، مع تقدير أقصى لعمرها بأكثر من 500 عام. وكان عمر سمكة أخرى 260 عاماً على الأقل، وربما تجاوز 400 عام. وقال نيلسن للموقع: "لقد توقعنا بالتأكيد أن تكون أسماك القرش عجوزاً، لكننا لم نتوقع أن تكون أطول الحيوانات الفقارية عمراً".
تعيش أسماك القرش هذه في البيئات الباردة والمستقرة في شمال المحيط الأطلسي ومياه السطح في القطب الشمالي، حيث تنمو بضعة سنتيمترات فقط كل عام. وعلى الرغم من معدل نموها البطيء، يمكن أن يصل طولها إلى أكثر من خمسة أمتار وغالباً ما تكون هي الحيوانات المفترسة في نظامها البيئي، وهي ما زالت تتقدم في السن رغم الجزيئات مشعة التي خلفتها القنابل النووية خلال القرن الماضي.
وفي إطار الدراسة، فحص الفريق 28 سمكة قرش نفقت بعد اصطيادها في شباك الصيد، ويقدّر الفريق أن العمر الأكثر ترجيحاً لأكبر سمكة قرش عمراً كان حوالي 390 عاماً، مع نطاق يقين بنسبة 95 بالمئة يتراوح بين 272 إلى 512 عاماً.
يعتقد الفريق أيضاً أن أسماك القرش هذه تصل إلى مرحلة النضج الجنسي فقط عندما يبلغ طولها حوالي أربعة أمتار، وهو ما قد يستغرق حوالي 150 عاماً. ومعظم أسماك القرش التي تمت مشاهدتها لم تكن بالغة بعد، إذ إن أسماك القرش الأكبر سناً الناضجة جنسياً لم تعد موجودة بأعداد كبيرة، وبالتالي هناك صعوبة لإنتاج أجيال جديدة وسوف يستغرق الأمر قرناً آخر حتى تصبح نشطة جنسياً.
ربما يشير هذا العمر الطويل للغاية للنضوج إلى أن أسماك القرش في غرينلاند ربما لا تزال تتعافى من الصيد الجائر الذي حدث قبل الحرب العالمية الثانية. "عندما تقيم توزيع حجم أسماك القرش في جميع أنحاء شمال الأطلسي، فمن النادر جداً أن نرى إناثاً ناضجة جنسياً، ونادراً جداً أن تجد صغاراً أو حديثي الولادة"، أوضح نيلسن.
لا تكشف هذه الدراسة عن طول عمر أسماك قرش غرينلاند المذهل وحسب، بل تؤكد أيضاً ضعف الطبيعة في مواجهة الأنشطة البشرية، وتسلط النتائج الضوء على أهمية جهود الحفاظ على البيئة لحماية هذه المخلوقات القديمة ونظمها البيئية.