شهدت أسهم عملاقة الرقائق الإلكترونية "إنتل" انخفاضاً بأكثر من ربع قيمتها الأسبوع الماضي عقب الإعلان عن نتائج الربع الثاني في أسوأ يوم تداول لها منذ عام 1974، ما فتح النقاش مجدداً حول كيف ولماذا باتت نجمة عصر الحاسوب تواجه أوقاتاً عصيبة في عصر الذكاء الاصطناعي.
في هذا الصدد، برز الحديث عن "فرصة ذهبية" لم تقتنصها "إنتل" للاستثمار في شركة "أوبن إيه آي" قبل حوالي 7 أعوام، عندما كانت لا تزال منظمة بحثية غير ربحية ناشئة تعمل في مجال غير معروف آنذاك يسمى الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وخلال أشهر عدة في عامي 2017 و2018، ناقش المسؤولون في الشركتين خيارات مختلفة، بما في ذلك شراء إنتل حصة بنسبة 15% مقابل مليار دولار نقداً، وفقاً لما ذكرته مصادر لـ"رويترز"، كما ناقشوا أيضاً إمكانية حصول إنتل على حصة إضافية بنسبة 15% في "أوبن إيه آي" إذا قامت بتصنيع الأجهزة للتشغيل التجريبي بسعر التكلفة، وفقاً لما قاله شخصان.
وفي النهاية، قررت "إنتل" عدم إبرام الصفقة، ويعود ذلك جزئياً إلى أن الرئيس التنفيذي السابق للشركة، بوب سوان، لم يعتقد أن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي ستصل إلى السوق في المستقبل القريب وبالتالي لن تعيد المبلغ المستثمر، وفقاً لما ذكرته مصادر لـ"رويترز".
وكانت "أوبن إيه آي" مهتمة باستثمار "إنتل" لأنه كان سيقلل اعتمادها على رقاقات "إنفيديا" ويسمح للشركة الناشئة ببناء بنيتها التحتية الخاصة، وفقاً لما قاله شخصان. كما فشلت الصفقة أيضاً لأن وحدة مراكز البيانات في إنتل لم ترغب في تصنيع المنتجات بسعر التكلفة، كما أضاف الأشخاص.
أخطاء استراتيجية
لم يُكشف سابقاً عن قرار "إنتل" بعدم الاستثمار في "أوبن إيه آي"، والتي أطلقت لاحقاً "تشات جي بي تي" الرائد في عام 2022 وتقدر قيمتها الآن بحوالي 80 مليار دولار.
ويعد هذا القرار واحداً من سلسلة الأخطاء الاستراتيجية التي أدت لتراجع الشركة، التي كانت في طليعة رقائق الكمبيوتر في التسعينيات والألفينيات، في عصر الذكاء الاصطناعي، وفقاً لمقابلات أجرتها "رويترز" مع تسعة أشخاص على دراية بالموضوع، بمن في ذلك المديرون التنفيذيون السابقون لشركة إنتل وخبراء الصناعة.
ولأول مرة منذ 30 عاماً، باتت قيمة الشركة دون عتبة الـ100 مليار دولار. ولا تزال الشركة الرائدة في السوق سابقاً التي مثل شعارها التسويقي Intel Inside معيار الجودة الذهبي لفترة طويلة، تكافح لإطلاق منتج رقاقة ذكاء اصطناعي رائد في السوق.
وتأخرت "إنتل" الآن عن منافستها "إنفيديا" البالغة قيمتها 2.6 تريليون دولار، والتي تحولت من رسومات ألعاب الفيديو إلى رقاقات الذكاء الاصطناعي اللازمة لبناء وتدريب وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية الكبيرة مثل "جي بي تي 4" من "أوبن إيه آي" و”لاما” من "ميتا". كما تأخرت عن "إيه أم دي" البالغة قيمتها 218 مليار دولار.
وبسؤاله عن تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي، أشار المتحدث باسم "إنتل" إلى التعليقات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس التنفيذي بات غيلسينجر، والتي قال فيها إن الجيل الثالث من رقاقة "غودي" للذكاء الاصطناعي، التي تهدف إلى إطلاقها في الربع الثالث من هذا العام، ستتفوق على منافسيها.
وقال غيلسينجر إن الشركة لديها "أكثر من 20" عميلاً للجيل الثاني والثالث من "غودي" وإن الجيل التالي من رقاقة Falcon Shores للذكاء الاصطناعي سيُطلق في أواخر عام 2025.
وقال المتحدث باسم الشركة لـ"رويترز": "نحن نقترب من إكمال وتيرة تاريخية من الابتكار في تصميم وتكنولوجيا العمليات، ونحن نشعر بالتشجيع من خط أنابيب المنتجات التي نبنيها للاستحواذ على حصة أكبر من سوق الذكاء الاصطناعي في المستقبل".
سيطرة رقاقات الألعاب على الذكاء الاصطناعي
وفي ما يتعلق بـ"أوبن إيه آي"، تدخلت "مايكروسوفت" للاستثمار فيها في عام 2019، ما دفعها إلى طليعة عصر الذكاء الاصطناعي الذي بدأ بإطلاق "تشات جي بي تي" في عام 2022 واندفاع محموم من قبل أكبر الشركات في العالم لنشر الذكاء الاصطناعي.
على الرغم من أن الصفقة المحتملة كانت فرصة ضائعة بالنسبة لـ"إنتل"، إلا أن الشركة كانت تخسر المعركة من أجل التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي تدريجياً لأكثر من عقد من الزمان، وفقاً للمديرين التنفيذيين السابقين وخبراء الصناعة الذين تمت مقابلتهم.
وقال ديلان باتيل، مؤسس مجموعة أبحاث أشباه الموصلات SemiAnalysis "فشلت إنتل في مجال الذكاء الاصطناعي لأنها لم تقدم استراتيجية منتجة متماسكة لعملائها".
واعتقدت "إنتل" لأكثر من عقدين من الزمان أن وحدة المعالجة المركزية مثل تلك التي تعمل بأجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة، يمكنها التعامل بطريقة أكثر فعالية مع مهام المعالجة المطلوبة لبناء وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، وفقاً لأربعة مدراء تنفيذيين سابقين في "إنتل" على دراية مباشرة بخطط الشركة.
ورأى مهندسو "إنتل" أن بنية وحدة معالجة الرسومات (GPU) المستخدمة في رقاقات ألعاب الفيديو، والتي تستخدمها الشركتان المنافستان "إنفيديا" و"إيه إم دي"، كانت "قبيحة" نسبياً، وفقاً لأحد الأشخاص.
ومع ذلك، بحلول منتصف العقد الأول من القرن الحالي، اكتشف الباحثون أن رقاقات الألعاب كانت أكثر كفاءة بكثير من وحدات المعالجة المركزية في التعامل مع الحوسبة المكثفة اللازمة لبناء وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة. نظراً لأن وحدات معالجة الرسومات مصممة لرسومات الألعاب، يمكنها إجراء عدد هائل من الحسابات في وقت واحد.
وأمضى مهندسو "إنفيديا" سنوات منذ ذلك الحين لتعديل بنية وحدة معالجة الرسومات لضبطها لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، وبنوا البرامج اللازمة لاستغلال القدرات.
وقال لو ميسكوسيا، المحلل في بنك دايوا الاستثماري الياباني: "عندما ظهر الذكاء الاصطناعي... لم يكن لدى إنتل المعالج الصحيح في الوقت المناسب".
نيرفانا وهابانا
منذ عام 2010، قامت إنتل بثلاث محاولات على الأقل لإنتاج رقاقة ذكاء اصطناعي قابلة للتطبيق، بما في ذلك الاستحواذ على شركتين ناشئتين وما لا يقل عن اثنين من الجهود الرئيسية المحلية الصنع. ولم يؤثر ذلك على "إنفيديا" أو "إيه إم دي"، وفقاً لثلاثة أشخاص على دراية مباشرة بالأنشطة الداخلية للشركة.
ومن المتوقع أن يولد إجمالي أعمال مراكز البيانات لشركة "إنتل" مبيعات بقيمة 13.89 مليار دولار هذا العام، والتي تشمل رقاقات الذكاء الاصطناعي للشركة ولكن أيضاً العديد من التصاميم الأخرى، بينما يتوقع المحللون أن تحقق “إنفيديا” إيرادات من مراكز البيانات تبلغ 105.9 مليارات دولار.
في عام 2016، سعى الرئيس التنفيذي لشركة "إنتل" برايان كرزانيتش إلى شراء طريقه إلى أعمال الذكاء الاصطناعي من خلال الاستحواذ على Nervana مقابل 408 ملايين دولار. انجذب المديرون التنفيذيون في إنتل إلى تقنية Nervana، والتي كانت مشابهة لرقاقة (TPU) التي تصنعها "غوغل"، وفقاً لمديرين تنفيذيين.
ومع ذلك، لم تحقق Nervana النجاح المأمول، ما دفع إنتل إلى تغيير مسارها. وفي عام 2019، استحوذت الشركة على شركة Habana Labs مقابل ملياري دولار، وأوقفت بعد ذلك تطوير رقاقات Nervana في عام 2020.
تُظهر هذه الخطوات المتناقضة صعوبات التي واجهتها "إنتل" في تحديد استراتيجية واضحة للرقاقات المناسبة للذكاء الاصطناعي. فبينما كانت Nervana تركز على رقاقات التدريب، ركزت Habana على رقاقات الاستدلال.
رغم هذه التحديات، يصر الرئيس التنفيذي لـ"إنتل" على أن الشركة تسير على الطريق الصحيح، مع التركيز على الجيل الثالث من رقاقة "غودي" للتدريب والجيل القادم Falcon Shores إلا أن الوقت سيدل إلى مدى نجاح هذه الاستراتيجية في منافسة العملاق "إنفيديا" الذي يهيمن على السوق.
فهل ستتمكن إنتل من اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي؟ وكيف؟ هذان السؤالان يطرحان نفسيهما بقوة في ظل المنافسة الشرسة والتطور السريع لهذه السوق.