النهار

الحوسبة الكموميّة قد تغدو الوريث الشّرعي لثورة الذّكاء الاصطناعي التّوليدي
المصدر: النهار, أ ف ب
ثمة ارتباط غير مألوف بين الثورة الحاصلة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، و"نظيرتها" التي تختمر ببطء وثبات بعيداً عن الضجيج في الإعلام والاستثمارات. ويتمثل الشيء غير المألوف في تلك العلاقة بأنه إذا صعدت الآمال الواسعة عن الذكاء التوليدي، ترتفع معها أفاق مماثلة في ثورة الحوسبة الكمومية، فتبدو الأخيرة كأنها "مكملة" للأولى. ولكن، حينما تضطرب مسارات في الذكاء التوليدي، تتابع الآمال المعقودة ارتفاعها على الحوسبة الكمومية، بل قد توصف الثانية بأنها "بديلة" للأولى.
الحوسبة الكموميّة قد تغدو الوريث الشّرعي لثورة الذّكاء الاصطناعي التّوليدي
آمال كبرى معقودة على الحوسبة الكمومية (بيكساباي)
A+   A-

ثمة ارتباط غير مألوف بين الثورة الحاصلة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، و"نظيرتها" التي تختمر ببطء وثبات بعيداً عن الضجيج في الإعلام والاستثمارات، أي ثورة الحوسبة الكمومية Quantum Computing. ويتمثل الشيء غير المألوف في تلك العلاقة بأنه إذا صعدت الآمال الواسعة عن الذكاء التوليدي، ترتفع معها آفاق مماثلة في ثورة الحوسبة الكمومية، فتبدو الأخيرة كأنها "مكملة" للأولى. ولكن، حينما تضطرب مسارات في الذكاء التوليدي، تتابع الآمال المعقودة ارتفاعها على الحوسبة الكمومية، بل قد توصف الثانية بأنها "بديلة" للأولى.

 

مسار العلم متشابك ومتعرج

وفي نظرة متأنية، يسير التطور العلمي، كمعظم الأشياء الاستراتيجية الكبرى، في مسارات متعرجة يتشابك فيها الصعود والهبوط، وتتقاطع المساحات بين حقولها وتتداخل. وينطبق ذلك بشدة على الذكاء الاصطناعي الذي استفاد كثيراً من الحوسبة الكمومية، وفتح آفاق واسعة لها، فيما قد تكون بديلته ذات يوم قد لا يكون بعيداً.

وحاضراً، ثمة منافسة محتدمة في حقل الحوسبة الكمومية بين أطراف معظمها منخرط في ثورة الذكاء الاصطناعي. وهناك رهان على قدرة الحوسبة الكمومية في تحقيق ذكاء اصطناعي نوعي أكثر تقدماً من التوليدي، وقد ينجح في التوصل إلى أدوية جديدة ومكافحة الاحترار المناخي وغيرها.
إذ يرى ستيف بريرلي، مؤسس شركة "ريفرلين" البريطانية المتخصصة في التقنيات الإلكترونية، ستشهد الحوسبة الكمومية قريباً قفزة كبرى.
وفي حديث مع "وكالة فرانس برس"، رأى بريرلي أن الحوسبة الكمومية ليست مجرد تحسّن طفيف في مسار الكومبيوتر وذكائه الاصطناعي، بل قفزة كبرى إلى الأمام. وتعمل شركة "ريفرلين" على إنتاج أول رقاقة إلكترونية مخصصة للكمومية وتتمتع بقدرة حاسوبية هائلة، ويمكنها رصد وتصحيح الأخطاء التي تعيق مسار تطور الذكاء الاصطناعي حاضراً.
وفي السياق نفسه، رأى جون مارتينيس، المسؤول السابق عن تطوير هذه التكنولوجيا في مختبر "غوغل كوانتوم إيه آي"  Google Quantum AI، أن صنع أجهزة للحوسبة الكمومية يستلزم تغييراً نوعياً هائلاً في التقنيات الذكية.
وفي المسار نفسه، أعلنت شركة "ريفرلين" أخيراً أنها جمعت 75 مليون دولار من المستثمرين، معتبرة أنه "في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، سنقدر على تطوير أنظمة قادرة على دعم مليون عملية حوسبة من دون أخطاء"، فيما الرقم الحالي لأنظمة الذكاء الاصطناعي يقتصر على ألف عملية.
ويوضح كامبل أن هذه العتبة تُعتبر حاسمة لجعل أجهزة الكمبيوتر الكمومية أكثر كفاءة من نظيراتها الحالية.

 

ابحث عن الذرات

 
تعتمد الحوسبة الكمومية على قدرتها في إيصال عمليات الحوسبة إلى مستوى الذرة والجزيء، بما في ذلك التشابك بينها. وقد تمكّن هذه التكنولوجيا من تطوير أدوية ثورية أو صنع بطاريات خارقة القدرات تفيد في خفض انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري.

وفي ملمح لافت، كلما توسع حجم الحواسيب الكمومية تزداد قدرتها على تسجيل البيانات التي تستفيد منها، مع الإشارة إلى أن البيانات تعتبر معضلة مريرة للذكاء الاصطناعي.
وتعتمد الحوسبة الكلاسيكية على البيانات المخزنة على شكل بتات  bits، ولكل منها حالتان محتملتان هما صفر وواحد (0 أو 1).
تستخدم الحوسبة الكمومية وحدات "كيوبتس" qubits، التي تحتوي على عدد لا حصر له من الحالات المحتملة.
في المقابل، تعتمد الحوسبة الكمومية على خصائص ذرية غير مألوفة، كالتشابك بين الذرات Entanglement الذي يجعلها تتحرك بسرعة "تُحطِّم" سرعة الضوء، وبالتالي، الوقت أيضاً. ويستلزم ذلك صنع خوارزميات فائقة التعقيد والتطور.
 
ويستثمر عمالقة تكنولوجيا المعلومات مثل غوغل وآي بي ام ومايكروسوفت مبالغ طائلة في هذه التكنولوجيا الكمومية المتطورة.
ويتجلى الاهتمام بهذه التكنولوجيا في المقام الأول بصنع أجهزة كمبيوتر كمومية ضخمة، مع الأمل أن تلك الضخامة لن تترافق مع زيادة الأخطاء فيها، وهو ما يحصل عادة مع أجهزة الذكاء الاصطناعي.

وبمعنى آخر، تعمل الآلات الكمومية أفضل في المهام المعقدة.


إشكالية التشفير والتنظيم القانوني

وفي مسار متصل، تملك الحوسبة الكمومية القدرة على هزيمة كل أنظمة التشفير، وبالتالي، صنع أنظمة بديلة تكون عصية على الاختراق.

ويجذب ذلك الأمر اهتماماً من الجهات التي تتولى أمور التشريع القانوني للتكنولوجيات الذكية.
في ذلك الصدد، يرى بريرلي أنه من الضروري تعلم الدروس من المسارات القانونية الجارية حاضراً حيال الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى التعمق في التأثيرات المتنوعة والعميقة للحوسبة الكمومية.  
ووفق كلماته، "أعتقد أن الحوسبة الكمومية ستخضع للتنظيم الأنون في نهاية المطاف، لأنها تقنية مهمة للغاية"، ما يعني أن الحكومات كلها ستصب تركيزها عليها بشكل واسع.

اقرأ في النهار Premium