خلصت دراسة علمية أجرتها مجلة "بابليك تشويس" Public Choice إلى أن غالبية الأميركيين يرغبون في تسليم الذكاء الاصطناعي التوليدي أمر اتخاذ قرارات حاسمة في حياتهم، على الرغم من ملاحظتهم أن النتائج التي تتأتى من قرارات الإنسان أفضل منها.
وبالنسبة إلى البعض، قد يبدو ذلك استمرارية للصعود المستمر للذكاء التوليدي والعلاقة بين البشر والآلات. وفي المقابل، ربما يُفاجئ كثيرون بأن مجموعة كبيرة من أفضل الأدمغة التي صنعت الذكاء المتقدم للآلات، لا يقلقها أمر أكثر من الاستسلام لفكرة تفوق الآلات على البشر في التفكير، وبالتالي، تسليم الإنسان أموره بالتدريج إلى تلك الآلات.
وفي مارس (آذار) الفائت، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية نتائج دراسة حكومية خلصت إلى أن التطور الحالي للذكاء الاصطناعي يسير نحو نتائج كارثية. وشملت الدراسة ما يزيد على 200 شخص من قادة شركات الذكاء الاصطناعي البارزة والرائدة، وخبراء الأمن السيبراني والقومي ومتخصصين في أسلحة الدمار الشامل.
وفي ذلك السياق، يجدر التذكير بـ"نداء الـ22 كلمة" الذي وقعه أكثر من مائة عالم متخصص بالذكاء الاصطناعي وقادة شركات كبرى في صناعته، وجاء فيه "إن تخفيف خطر فناء البشرية بالذكاء الاصطناعي يجب أن يشكل أولوية عالمية تتساوى مع الأخطار التي تهدد المجتمعات على غرار أزمة المناخ والحرب النووية".
Mitigating the risk of extinction from AI should be a global priority alongside other societal-scale risks such as pandemics and nuclear war
وقد نشر "مركز أمن الذكاء الاصطناعي" ذلك النداء في نهاية آيار (مايو) 2023.
ولعل أبرز ما نادى به البروفيسور جيفري هينتون، المسؤول السابق عن قسم الذكاء الاصطناعي في "غوغل" (وقد استقال منه كي يتفرغ للتحذير من خطورة الذكاء التوليدي)، وإريك شميت، مؤسس "غوغل" التي تحولت عملاقاً أسطورياً وأحد أهم صناع الذكاء التوليدي؛ يتمثل في التحذير من ركون البشر إلى الأحكام والخلاصات والأفكار التي تُنتجها الآلات.
الروبوت يستولي على السلطة أم يسلمها البشر له؟
وكخلاصة، لا شيء يقلق حتى أبرز صناع الذكاء التوليدي، من تسليم البشر قراراتهم الحاسمة إلى الآلات. ووفق قول شائع في تلك الأوساط عينها "ليس الخطر أن يستولي الروبوت على السلطة، بل أن يُسلِّم البشر السلطة إلى الروبوت".
وبالعودة إلى دراسة "بابليك تشويس"، أجاب 64% ممن استُطلِعتْ آراءهم أنهم يفضلون أن تتولى خوارزميات الذكاء الاصطناعي القرارات بشأن مصادرهم المالية والاقتصادية. وفي المقابل، فإنهم لاحظوا أن نتائج القرارات التي يتخذها بشر تؤتي أُكلها بشكل أفضل من تلك التي تصنعها الآلات.
ويلفت أن الدراسة جرت عبر الفضاء الافتراضي وبأسلوب ألعاب الفيديو المتعمدة على المحاكاة الافتراضية، حيث يتخّذ اللاعبون أدواراً يختاروها بأنفسهم، ويخضون مراحل اللعبة عبرها.
وقد شدد العلماء الذين صمموا تلك المحاكاة على ضرورة أن يتَّخِّذ اللاعبون القرارات فيها وفق معيارين هما المصلحة الفردية وقيم العدالة. وقد استغرب العلماء أنه، على الرغم من هذا التشديد، لم يأخذ معظم من شاركوا في الدراسة، معيار العدالة بعين الاعتبار. هل يصلح ذلك التجاهل للعدالة نموذجاً من ثقافة واسعة منتشرة بين الجمهور المعاصر، المندمج مع البعد الرقمي في حياته، أم أن هذا الاستنتاج مبكر ويحتاج إلى دراسات أوسع؟
أياً كانت الإجابة، يجدر الإشارة إلى أن الجهة التي أجرت الدراسة كانت "بابليك تشويس" [ترجمتها حرفياً خيار الجمهور العام] تابعة لمجموعة النشر "سبرينغر" Springer المعروفة في الأوساط الأكاديمية والبحثية، وتمثل مجلة علمية أكاديمية تعنى بتطبيق علوم الاقتصاد على مجالات غير اقتصادية كالسياسة والدين والعائلة والصراعات والقوانين.
ونشرت الدراسة على مواقع علمية كـ"لايف ساينس" في 13 أغسطس (آب) 2024.