بعد إعلان إيلون ماسك عن رغبته في شراء "تويتر" في نيسان (أبريل) 2022، غرّد الملياردير بأن منصة التواصل الاجتماعي يجب أن تكون محايدة سياسياً لكسب ثقة الجمهور، ما يعني إزعاج الأطراف السياسية المتطرفة على اليمين واليسار.
في ذلك الوقت، كان اليمين يعتقد أن "تويتر" يميل نحو التقدّمية، حيث يسيطر عليه الليبراليون من الساحل الغربي الذين يراقبون الآراء والأخبار التي لا تتماشى مع معتقداتهم.
بعد مرور عامين، تغيّرت هذه النظرة تماماً. الآن، تواجه منصة "إكس" اتهامات بأنها تعكس آراء مالكها السياسية، الذي أصبح يميل وضوح نحو اليمين ويتحدث كثيراً عن القضايا المحلية والدولية.
ألقى ماسك بثقله الكامل وراء الحملة الرئاسية لدونالد ترامب لعام 2024، واستضاف مقابلة حماسية لمدة ساعتين مع المرشح الجمهوري الأسبوع الماضي وقدّم نفسه كمستشار في البيت الأبيض المحتمل لترامب.
وتؤكد استفزازات ماسك الأخيرة على رحلته من مبتكر مشهور إلى أيديولوجي مثير للانقسام. على الرغم من كل إنجازاته في مجالات الطاقة المتجددة والنقل والفضاء، يُنظر إليه الآن على أنه متصيّد بقدر ما هو رائد.
بالرغم من كل هذا الصخب، هل يمكن لماسك أن يؤثر على نتائج الانتخابات ويشكل تهديداً للاستقرار العالمي؟ أم أنه يستغل الأحداث فقط لجذب الأنظار والاستعراض ؟
منذ أن استحوذ إيلون ماسك على منصة "إكس" مقابل 44 مليار دولار، راجع الكثير من السياسات، ما سمح بعودة الحسابات المعلقة سابقاً، بما في ذلك حساب الرئيس السابق دونالد ترامب، بالإضافة إلى شخصيات يمينية متطرفة مثل أليكس جونز وتومي روبنسون. كما نفّذ ميزات اعتدال تطوعية مثل "ملاحظات المجتمع" للمساعدة في التحقق من الحقائق، بدلاً من إزالة المنشورات غير الدقيقة أو المسيئة.
هذا العام، أصبح ماسك أكثر انخراطاً في الأحداث السياسية داخل الولايات المتحدة وخارجها. بعد محاولة اغتيال ترامب، أيّد ماسك علناً الرئيس السابق لأول مرة، وأعلن عن مساهمته في لجنة العمل السياسي المؤيدة لترامب. هذا التحوّل في موقف ماسك أثار جدلاً واسعاً، خاصة أن الجمهوريين كانوا يشتكون لسنوات من تحيز منصات التواصل الاجتماعي ضد الأصوات المحافظة. الآن، الديموقراطيون هم الذين يشكون.
يُحذّر الخبراء من صعوبة التمييز بين الأخطاء الفنية في فرض الاعتدال والمحاولات المتعمدة لقمع الكلام، خاصة بعد طرد ماسك للعديد من العاملين في مجال الاتصالات والسياسات في الشركة. بغض النظر عما إذا كان ماسك يتلاعب بالمنصة لتعزيز أجندة سياسية أم لا، يبقى هناك سؤال حول تأثير منشوراته الخاصة على "إكس"، حيث يمتلك الحساب الأكثر شعبية على المنصة مع ما يقرب من 195 مليون متابع.
وفقاً لتقارير إعلامية، أمر ماسك المهندسين بالتلاعب بخوارزمية "إكس" لزيادة انطباعات منشوراته الخاصة. وأظهر تحليل أجرته صحيفة "فاينانشال تايمز" أن تفاعلات ماسك مع حسابات اليمين المتطرف عزّزت كثيراً من وصولها، بما في ذلك بين المستخدمين الذين لا يتابعون هذا النوع من المحتوى عادةً. هذا التأثير الواسع أثار مخاوف بشأن تأثير ماسك على العملية الديموقراطية في الولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر).
خلال الأسبوع الماضي، وجد مركز مكافحة الكراهية الرقمية أن مزاعم ماسك بشأن الانتخابات، والتي اعتبرها "مضللة"، شوهدت 1.2 مليار مرة على “إكس”، دون التحقّق من الحقائق أو إضافة "ملاحظات المجتمع". هذا الشهر، كتب خمسة وزراء أميركيين رسالة مفتوحة إلى ماسك يشكون فيها من ظهور معلومات مضللة تتعلق بالانتخابات في Grok، روبوت الدردشة الذكي على "إكس".
وتقول كاتي هارباث، مسؤولة الشؤون العالمية في Duco Experts، إن ماسك قد يؤثر على "إقبال الناخبين" إذا ضخّم المعلومات المضللة حول العنف في صناديق الاقتراع. وتضيف هارباث التي كانت مديرة سابقة للسياسة العامة في شركة ميتا: "ما يقلقني أكثر هو أن يزيد إيلون من حدة الخطاب بطريقة قد تؤدي إلى العنف خارج الإنترنت".
قد يكون من الصعب تحديد مدى انتشار الخطاب عبر الإنترنت إلى العالم الحقيقي، ولكن في بعض البلدان، يبدو أن تدخّل ماسك في المناقشات قد أدى إلى تنشيط بعض المجموعات المحلية. في البرازيل، يحذر ليوناردو ميرا ريس، المُحلّل في مجموعة أوراسيا في برازيليا، من أن تصريحات ماسك بشأن "إكس" لها عواقب عملية في بلد منقسم بشدة مثل البرازيل، ما يزيد من حدة الانقسام السياسي.
وفي الوقت نفسه، وجد الباحثون في معهد Rutgers أن الجماعات المتطرفة نظرت إلى استيلاء ماسك على الشركة كفرصة للانضمام إلى المنصة جماعياً. وفي أحد التقارير، وجد المعهد أن علامات التصنيف في "إكس" تُستخدم لتعبئة التظاهرات المناهضة للهجرة في أيرلندا، قبل أشهر من اندلاع الاضطرابات العامة وأعمال الشغب في العاصمة.
في المملكة المتحدة، تقول الشرطة والمحللون إن أعمال الشغب الأخيرة كانت مدفوعة بـ"إكس"، بالإضافة إلى منصات اجتماعية أخرى، حيث يُنظر إلى ماسك على أنه يذكي النيران. ويخشى الكثيرون أن يكون هناك المزيد في المستقبل.
ومع ذلك، يزعم بعض الخبراء أن هناك حدوداً لنفوذ ماسك. ففي ظل مالكها الجديد، كانت الأهمية الثقافية لـ"إكس" في انحدار، وظلت المنصة أصغر بكثير من منافستها المهيمنة "ميتا". ويبلغ عدد مستخدمي "إكس" على مستوى العالم 359 مليوناً، وفقاً لبيانات من Emarketer، مقارنة بأكثر من ملياري مستخدم على موقع Meta's Facebook ويلاحظ آخرون أن العديد من الليبراليين يقولون إنهم ينتقلون إلى بدائل مثل "ثريدز" Threads المُستنسخ من "ميتا".