النهار

حواسيب حيّة من خلايا عصبيّة بشريّة مقابل 500$ شهرياً
المصدر: النهار العربي
ظهرت تقنية جديدة تحمل إمكانيات واعدة وتثير جدلًا واسعًا وتتمثل بـ"الحواسيب الحية" المصنوعة من خلايا عصبية بشرية. وتجمع هذه الفكرة المبتكرة بين التكنولوجيا الحيوية وعلوم الحوسبة، لتخلق أنظمة حوسبة تعتمد على القدرات الطبيعية للخلايا العصبية في معالجة البيانات. ورغم التفاؤل الكبير بإمكانات هذه التقنية، فإنها تثير تساؤلات عدة حول أخلاقياتها تبعاتها المحتملة.
حواسيب حيّة من خلايا عصبيّة بشريّة مقابل 500$ شهرياً
أربع مجموعات من الخلايا العصبية الحية متصلة بأقطاب كهربائية على شريحة المنصة العصبية (فاينال سبارك)
A+   A-
 
ظهرت تقنية جديدة تحمل إمكانيات واعدة وتثير جدلاً واسعاً وتتمثل بـ"الحواسيب الحية" المصنوعة من خلايا عصبية بشرية. وتجمع هذه الفكرة المبتكرة بين التكنولوجيا الحيوية وعلوم الحوسبة، لتخلق أنظمة حوسبة تعتمد على القدرات الطبيعية للخلايا العصبية في معالجة البيانات. ورغم التفاؤل الكبير بإمكانات هذه التقنية، فإنها تثير تساؤلات عدة حول أخلاقياتها وتبعاتها المحتملة.
 
وبحسب تقرير نشرته مجلة "لايف ساينس"  livescience، تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي، حتى تلك الأنظمة المتطورة مثل "شات جي بي تي" ChatGPT، على الأجهزة نفسها القائمة على السيليكون التي كانت الحجر الأساس للحوسبة منذ خمسينات القرن الماضي. ماذا لو أمكن تصنيع أجهزة الكمبيوتر من مادة بيولوجية حية؟ 
 
تستند تقنية الحواسيب الحية إلى استخدام خلايا عصبية حية كبديل أو رديف للرقاقات الإلكترونية. وفي الغالب، تأتي تلك الخلايا العصبية البشرية من أبحاث الخلايا الجذعية. وتعتمد الحواسيب الحية على القدرات الطبيعية للأعصاب البشرية في التفاعل والتواصل مع بعضها البعض لمعالجة المعلومات، ما قد يمنح هذه الأنظمة مرونة أكبر وقدرة على التعلم أسرع من الحواسيب التقليدية.
 
حوسبة أقوى بطاقة أقل
يركّز بعض الباحثين في الأوساط الأكاديمية والقطاع التجاري، ممن يشعرون بالقلق حيال الطلب المتضخم للذكاء الاصطناعي على تخزين البيانات والطاقة، على مجال متنامٍ يُعرف باسم "الحوسبة الحيوية" Biocomputing. ويستخدم هذا النهج البيولوجيا الاصطناعية، مثل مجموعات مصغرة من الخلايا المستزرعة في المختبر لإنشاء بنية حاسوبية. وتشمل قائمة الشركات الرائدة في مجال الحوسبة الحيوية، شركة "فاينال سبارك" FinalSpark السويسرية، التي أطلقت في وقت سابق من هذا العام ”منصة الحوسبة الحيوية“ التي تعمل بواسطة أعصاب من الدماغ البشري. ويستطيع العلماء استئجار تلك المنصة عبر الإنترنت مقابل 500 دولار شهرياً.
 
وتسعى شركة FinalSpark إلى إيجاد طريقة مستدامة بيئياً لدعم الذكاء الاصطناعي. ويلخص أحد مؤسسيها الفكرة الرئيسة منها:  ”هدفنا الرئيسي هو الذكاء الاصطناعي مقابل طاقة أقل بـ100,000 مرة“ مما هو مطلوب حالياً لتدريب أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. تستخدم المنصة العصبية سلسلة من وحدات المعالجة التي تستضيف كل منها أربعة أعصاب دماغية، متصلة عبر أسلاك ميكروسكوبية بثمانية أقطاب كهربائية تتولى التحفيز الكهربائي للخلايا العصبية داخل كل مجموعة عصبية. وتربط هذه الأقطاب الكهربائية أيضاً مجموعات الأعصاب بشبكات الكمبيوتر التقليدية. 
 
وفي سياق تدريبها، يجري تعريض الخلايا العصبية انتقائياً لمادة كيماوية تسمى "دوبامين" التي تُفرز بصورة طبيعية في الدماغ البشري بالترافق مع مشاعر السعادة والفرح، وبالتالي، يستخدم "دوبامين" كمكافأة لتلك الأعصاب حين تنجح في أداء ما يطلب منها. وفي تلك الحالة، تندفع الأعصاب إلى تشكيل مسارات واتصالات جديدة بالطريقة نفسها التي يبدو أن الدماغ البشري الحي يتعلم بها. وبواسطة هذا التدريب، قد يرتقي مستوى الخلايا العصبية المتصلة بالرقاقات الإلكترونية، لتصل إلى مستوى محاكاة الذكاء الاصطناعي الموجود في الحواسيب المتقدمة، بقدراتها المتنوعة.
 
 
الحياة العضوية محدودة 
لا تزال هناك نقاط تعيق قدرة الحوسبة العضوية على منافسة رقاقات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. أولاً، لا نظام تصنيع موحّداً، والأدمغة الحية تموت. إذ تعيش تلك الأشباه للأدمغة العضوية في "فاينال سبارك" لمدة 100 يوم في المتوسط، مع التذكير بأن مدى الحياة في التجارب الأولى لم يتجاوز بضع ساعات. 
 
ليست شركة FinalSpark الوحيدة في سعيها لإيجاد بدائل عضوية للحوسبة التقليدية المستندة إلى رقاقات السيليكون، كما لا تُعتبر أعصاب الدماغ هي الطريقة الوحيدة الممكنة للمضي قدماً. وبحسب مقالة "لايف ساينس"، أورد أنخيل غوني-مورينو، الباحث في المركز الوطني للتكنولوجيا الحيوية في إسبانيا، أن ”هناك أنواعاً مختلفة من الحوسبة الحيوية“. ويدرس غوني-مورينو الحوسبة الخلوية التي تعني استخدام الخلايا الحية المعدلة لإنشاء أنظمة يمكنها محاكاة ”الذاكرة والبوابات المنطقية وغيرها من أساسيات اتخاذ القرار التي نعرفها من علوم الكمبيوتر التقليدية“. ويبحث فريقه عن المهام التي تتفوق فيها الحواسيب الحيوية على نظيراتها من السيليكون. وتُسمّى تلك الآلية ”التفوق الخلوي“.
 
مع كل هذه الإمكانيات، يأتي الخوف من العواقب غير المتوقعة لهذه التكنولوجيا. إن الحواسيب الحية ليست مجرد أدوات جامدة، بل إنها كيانات حية تتفاعل وتتطور. فهل يمكن أن تتجاوز هذه الأنظمة حدود التحكم البشري؟ هذه الخلايا العصبية الحية قد تصبح غير متوقعة في سلوكها، ما يثير القلق بشأن استخدامها في تطبيقات عسكرية أو في أنظمة تتحكم بنفسها بصورة ذاتية مستقلة، وتخرج عن التحكم البشري. وقد تُستخدم هذه الحواسيب الحية في تطوير روبوتات تملك قدرات تفوق العقل البشري بمسافات ضوئية، ما يفتح الباب أمام احتمالات تتعلق بفقدان السيطرة على هذه الأنظمة وتوجيهها نحو أهداف ضارة.
 
لا تقل التساؤلات الأخلاقية المتعلقة بهذه التكنولوجيا رعباً، فاستخدام خلايا عصبية بشرية في الحوسبة يثير تساؤلات حول حقوق هذه الخلايا. هل يمكن اعتبارها كيانات حية يجب احترامها؟ هل هناك خطر من إساءة استغلال هذه التقنية لأغراض غير أخلاقية مثل التجسس، أو التعذيب النفسي باستخدام نظم حاسوبية مدعومة بخلايا عصبية حية؟
 
كذلك، هناك مخاوف بشأن كيفية الحصول على هذه الخلايا العصبية واستخدامها. هل يتم الحصول عليها بطرق مشروعة؟ وما هو تأثير ذلك على حقوق الأفراد الذين تُستخدم خلاياهم؟
 

اقرأ في النهار Premium