النهار

هل يرقى "الذّكاء" الاصطناعي إلى "الوعي" الاصطناعي؟
المصدر: النهار العربي
ليس هناك شك في أن الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر ذكاءً بشكل متسارع، وذلك بفضل منصات البرمجيات بما في ذلك ChatGPT وGoogle Gemini وGrok. ولكن هل يعني ذلك أن وكلاء الذكاء الاصطناعي سيتفوقون يوماً ما على الذكاء المعمم الذي يميز الذكاء البشري؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا جيد أم سيء للبشرية؟ كانت هذه بعض الأسئلة التي أثيرت خلال مؤتمر AGI-24 الذي عُقد هذا الأسبوع في سياتل والتي نشرت في تقرير Geekwire.
هل يرقى "الذّكاء" الاصطناعي إلى "الوعي" الاصطناعي؟
"صوفيا": أول روبوت شبيه بالإنسان
A+   A-
شهدت الآونة الأخيرة قفزات كبرى في الذكاء الاصطناعي أوحت أنه يتطور تطوراً متسارعاً، خصوصاً مع برامج الذكاء التوليدي على غرار "شات جي بي تي" ChatGPT و"غوغل جيميناي" Google Gemini و"غروك" Grok و"كلود" Claude وغيرها.
هل يعني ذلك أن برامج الذكاء الاصطناعي قد تتفوق على ما يملكه العقل البشري؟ وإذا حدث ذلك، فهل هو جيد أم سيئ للبشرية؟ كانت هذه بعض الأسئلة التي أثيرت خلال مؤتمر "إيه جي آي- 24" AGI-24 الذي عُقد هذا الأسبوع في سياتل، وقد نُشِرَت في تقرير على موقع "جيك واير" Geekwire.
 
معضلة ذكاء الآلات العام
 
تمحورت جلسات المؤتمر في جامعة واشنطن حول مفهوم يُعرف باسم الذكاء الاصطناعي العام أو Artificial General Intelligence، وهي مرحلة تضع فيها الآلات كل ذكائها ومعارفها في كل نقطة من المهمات التي تتصدى لها، ما يضمن تفوقها في ما لا يحصى من المجالات. وحتى حاضراً، تمكن الذكاء الاصطناعي من أن يتفوق بالفعل على البشر في قائمة تشمل أنواع الألعاب الفكرية [الشطرنج، البوكر ...] إلى تشخيص  السرطان.
في المقابل، يستمر تفوق ذكاء البشر حينما يتعلّق الأمر بالتعامل مع مجموعة واسعة ومتغيّرة من المهام، تشمل تلك التي لم يتدربوا عليها سابقاً.
 
وبحسب ديفيد هانسون، عالم الروبوتات والفنان الذي اشتهر بابتكار روبوت شبيه بالإنسان اسمها صوفيا، إن الأسئلة المتعلقة بالذكاء والوعي على مستوى الإنسان تمثل أولوية قصوى لفريقه في شركة "هانسون روبوتيكس".
 
 
وأوضح خلال جلسة في مؤتمر سياتل أن ”الهدف حقاً هو الاستمرار في استكشاف ما يعنيه أن تكون ذكياً. وكيف يمكننا تحقيق الوعي؟ كيف يمكننا صنع آلات تتطور مع البشر؟".
 
يمثّل الوعي حالة من الإدراك والقدرة على الشعور بالذات والعالم المحيط. في البشر، يرتبط الوعي بتجارب شخصية معقدة، مثل العواطف والأفكار والذكريات. ورغم التطور الكبير في فهم العقل البشري، لا يزال الوعي نفسه لغزاً يصعب تفسيره علمياً، إذ إنه يتجاوز العمليات البيولوجية العصبية ليشمل أبعاداً فلسفية.
 
ويضيف هانسون: ”هناك برامج للذكاء الاصطناعي لديها نوع من "الذات"، وتتكون من أنواع محددة من الأنماط، تشمل العقل والجسم والدافع التطوري والرغبة في الحياة. نحن نطلق على ذلك اسم "بنية الكائن الحي". وسيبدأ في البحث عن التقارب، والعلاقات المتماثلة بينه وبين البشر والكائنات الحية الأخرى“.
 
الاستقلالية والوعي الذاتيان
 
لكن، ماذا يحدث إذا اندفع برنامج للذكاء الاصطناعي وراء رغبة في الحياة و”إصلاح“ نفسه بحيث لا يستطيع البشر إيقاف تشغيله؟ يرى هانسون أن الأمر متروك لمطوري برامج الذكاء الاصطناعي للذكاء الاصطناعي المستقبليين لممارسة الحكمة أثناء تقدمهم.
وتمهيداً تحقيق هذه الغاية، جمع هانسون ”مجموعة صغيرة من قراصنة الكومبيوتر“ للعمل على مناهج مستوحاة من آفاق محتملة قد توصل الذكاء الاصطناعي إلى حالة التصرف والتطور باستقلالية ذاتية تامة.
 
 
وبالتالي، هل يمكن أن تصل "كائنات" الذكاء الاصطناعي، مثل الروبوت صوفيا، إلى حالة الوعي بالذات بالمعنى نفسه الذي يشير فيه إنسان إلى نفسه باعتباره ذاتاً؟
خلال الجلسة الافتراضية التي أعقبت حديث هانسون، أصر كريستوف كوخ، عالم الأعصاب في "معهد ألين" بمدينة سياتل، على أنه لا ينبغي مساواة الوعي بالذكاء. وجادل بأن برامج الذكاء الاصطناعي غير قادرة على الوعي، بسبب طريقة صنعها.
 
وبحسب كوخ: ”كي تكون الحواسيب واعية، يجب أن تتمتع بالقدرات السببية للعقل. لكن البنية التي تشكل أساس أجهزة الحاسوب اليوم لا ترقى إلى مستوى قدرة الدماغ البشري. وبغض النظر عما تقوم بتشغيله، فإن القوة السببية لهذه الآلة ستكون دائماً ضئيلة“.
 
ومن ناحية أخرى، يرى كوخ أن برامج مثل "شات جي بي تي" قد تحاكي الذكاء وحتى الحياة الداخلية للبشر، فتبدو كأنها تمتلك وعياً. وفي المقابل، لا يعني ذلك أن تلك البرامج قد اختبرت الحياة والمشاعر بالطريقة نفسها التي تحدث عند البشر.
 
لكن، لا يستبعد كوخ كلياً إمكانية ظهور "الوعي الاصطناعي". ويرى أن الحواسيب الكمومية  قد تفتح طرقاً جديدة لجعل الآلات واعية، مع تشديده على الفوارق الشاسعة بين الوعي وعلامات الذكاء.
 
استطراداً، يُلزم هانسون نفسه بالعمل على الذكاء والوعي الاصطناعيين. ويعتبر أن الذكاء الاصطناعي الآلي المتقدم ليس هو الذي سيقتل البشرية، بل غياب الذكاء الاصطناعي الآلي المتقدم. ووفق كلماته ”نحن البشر لسنا أذكياء بما فيه الكفاية بعد، وعلينا أن نصبح أكثر ذكاءً، لهذا السبب أقترح الذكاء الاصطناعي المُطوَّر الآن. دعونا نسرع في ذلك بالطريقة الصحيحة".
 
وكخلاصة، يتمثل السؤال الكبير في إمكانية تطوير ذكاء اصطناعي يمتلك وعياً ذاتياً.
يعتقد بعض الباحثين أن تطوير وعي اصطناعي يتطلب أكثر من مجرد معالجة البيانات، بل يجب التوصل إلى إدراك ذاتي وتجارب شعورية، وهو ما لم تحققه أي آلة حتى الآن.
وإذا جرى تطوير ذكاء اصطناعي واعٍ، فإنه سيطرح تحديات أخلاقية هائلة. هل يجب أن تُمنح هذه الأنظمة حقوقاً؟ وهل يمكن تحميلها المسؤولية القانونية عن أفعالها؟
تتجاوز هذه الأسئلة نطاق العلم لتدخل في مجال الفلسفة والأخلاق، ما يجعل مناقشة الذكاء الاصطناعي والوعي مسألة معقدة تتطلب تضافر جهود من مجالات متنوعة.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium