في ظلّ التغيّرات المناخية المتسارعة وذوبان الجليد القطبي، تمكّن العلماء من تحقيق اكتشاف مذهل وغير متوقع. وتمثل ذلك بالتعرف على وجود أكثر من 1,700 فيروس قديم كامن في أعماق نهر جليدي في غرب الصين، بعضها يعود إلى آلاف السنين.
يعبّر هذا الاكتشاف عن حجم الأسرار البيولوجية المدفونة في أعماق الجليد، والتي بدأت تظهر مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وفتح هذا الحدث آفاقاً جديدة أمام العلم، ولكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات ملحّة حول المخاطر المحتملة لهذه الفيروسات القديمة على البيئة وصحة الإنسان في عصرنا الحالي.
الجائحة قد تأتي من أعماق الثلج القطبي
يثير هذا الأمر مخاوف من أنه مع ارتفاع درجة حرارة العالم وذوبان الجليد، يمكن أن يطلق العنان لمسببات أمراض غير معروفة للعلم، ويطلق العنان لجائحة مميتة.
وبحسب ما ورد في صحيفة "ديلي ميل"، عثر الباحثون على الفيروسات في لبّ جليدي يبلغ طوله 1000 قدم مستخرج من نهر جوليا الجليدي على هضبة التيبت، الواقعة عند تقاطع وسط وجنوب وشرق آسيا، ويعود تاريخ هذه الفيروسات إلى 41,000 سنة، وقد نجت من ثلاثة تحولات رئيسية من المناخات الباردة إلى المناخات الدافئة.
وبعد يوم واحد من نشر الباحثين دراستهم، نشر مغني الراب ”لوداكريس“ بريدجز، مقطع فيديو لنفسه وهو يشرب الماء الذائب من نهر جليدي في ألاسكا، وقد حظي الفيديو بملايين المشاهدات على "تيك توك" و"إنستغرام"، ما أثار موجة من القلق من أنه يخاطر بحياته بشرب مياه الأنهر الجليدية غير المعالجة.
لكن أحد علماء الأنهر الجليدية صرّح في ذلك الحين أن ذلك "لا بأس به"، وأن المياه من مجرى النهر الجليدي الذائب "أنظف مياه يمكن أن تحصل عليها على الإطلاق".
في المقابل، ظهرت مسببات الأمراض القاتلة من ذوبان التربة الصقيعية في مواقع أخرى حول العالم، ما أثار المخاوف من احتمال تفشي المرض.
مثلًا في عام 2016، تسرّبت جراثيم الجمرة الخبيثة من جثة حيوان كانت متجمّدة في التربة الصقيعية في سيبيريا لمدة 75 عاماً، فنُقل العشرات إلى المستشفى وتوفي طفل واحد.
ولكن لحسن الحظ، ذكر الباحثون أن جميع الفيروسات الـ 1700 التي تمّ العثور عليها في هذه الدراسة الأخيرة، لا تشكّل أي تهديد لصحة الإنسان. ويرجع ذلك إلى أن هذه الفيروسات لا يمكن أن تصيب سوى نوع من الكائنات الوحيدة الخلية، والبكتيريا. ولا يمكنها أن تصيب البشر أو الحيوانات أو حتى النباتات بالمرض.
نافذة على تاريخ المناخ
لكن من المهمّ أن تُدرس تلك الفيروسات لأنها توفّر نافذة على التاريخ المناخي العميق للأرض، ويمكن أن تساعدنا في فهم ما يمكن أن تبدو عليه المجتمعات الميكروبية في المستقبل. وقد عمد فريق الباحثين بقيادة جامعة ولاية أوهايو إلى حفر أكثر من 1000 قدم في نهر جوليا الجليدي، وهو عبارة عن كتلة جليدية ضخمة تقع في هضبة التيبت الشمالية الغربية.
تمّ تقسيم اللبّ الجليدي الناتج إلى 9 أجزاء، يمثل كل جزء منها أفقاً زمنياً وفترة مناخية مختلفة. وتراوح عمر الأجزاء بين 160 و41,000 سنة. واستخرج الباحثون الحمض النووي من كل شريحة، واستخدموا عملية تسمّى "التحليل الميتاجيني" Metagenetic Analysis لتحديد كل سلالة فيروسية على حدة. ثم خلصوا إلى فهرسة معلومات فيروسية تفوق بأكثر من حوالى 50 مرّة ما جمعه العلماء من الأنهر الجليدية حتى الآن.
ومن خلال تحليلهم، وجد الباحثون أن المجتمعات الفيروسية بدت متنوعة جداً، وذلك بتأثير الظروف المناخية التي سادت إبّان زمن تجمّدها. وأورد المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الأحياء المجهرية في جامعة ولاية أوهايو ماثيو سوليفان لموقع "بابيولار ساينس" Popular Science: "لقد رأينا تحولات واضحة في الفيروسات التي كانت موجودة في ظل المناخات الباردة مقابل المناخات الأكثر دفئاً".
ومثلاً، تشكّل مجتمع متميز من الفيروسات قبل 11,500 سنة، أثناء تحوّل المناخ من المرحلة الجليدية الأخيرة الباردة إلى عصر الهولوسين الأكثر دفئاً، الذي نحن فيه حالياً.
وبحسب المؤلف المشارك في الدراسة زهي بينغ تشونغ، وهو باحث مشارك في علم الأحياء المجهرية في جامعة ولاية أوهايو: "تشير هذه الدراسة على الأقل إلى العلاقة المحتملة بين الفيروسات وتغيّر المناخ". ونشر سوليفان وتشونغ وزملاؤهما النتائج التي توصلوا إليها في مجلة "نايتشر جيوساينس" Nature Geosciences المتخصصة في شؤون الجيولوجيا.