النهار

الإباحية المزيفة والذكاء التوليدي: معضلة أخلاقية في العصر الرقمي
المصدر: النهار العربي
لطالما كان للتكنولوجيا تأثير واضح على العلاقات بين الجنسين، ومع ظهور الإنترنت وتطوره، أصبحت المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي عنصراً أساسياً في تشكيل تلك العلاقات
الإباحية المزيفة والذكاء التوليدي: معضلة أخلاقية في العصر الرقمي
(تعبيرية)
A+   A-
لطالما كان للتكنولوجيا تأثير واضح في العلاقات بين الجنسين. ومع ظهور الإنترنت وتطوره، أصبحت المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي عنصراً أساسياً في تشكيل تلك العلاقات.
 
صارت تطبيقات المواعدة الرقمية، على وجه الخصوص، من أبرز الوسائل التي يعتمد عليها كثيرون في البحث عن شركاء محتملين، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من الحياة العاطفية الحديثة. وفي الوقت نفسه، شهدت التجارة الرقمية نمواً هائلاً في صناعة المحتوى الإباحي، الذي تطور بشكل لافت بدخول تقنيات متقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما يعكس التكامل المتزايد بين التكنولوجيا والرغبات البشرية.
 
ثورة غير مسبوقة
أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي ثورة غير مسبوقة في مجال إنتاج المحتوى الإباحي، حيث بات بإمكان هذه التقنيات توليد نصوص، صور، وفيديوهات تبدو واقعية بشكل مذهل، ما يخلق تجربة محاكاة قريبة جداً من الواقع.
 
ومع تطور محركات الذكاء التوليدي، أمكن إنتاج محتوى إباحي مخصص في دقائق، متجاوزاً حدود التصور التقليدي. تشمل هذه التطبيقات الذكاء التوليدي في إنتاج الصور المتحركة والأفلام، وحتى تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر، ما يفتح آفاقاً جديدة لاستكشاف الحميمية والخيال الجنسي.
 
ورغم هذه التقدمات التقنيّة، تبرز تساؤلات أخلاقية جوهرية: كيف تعيد هذه الثورة التكنولوجية تشكيل المواقف تجاه تجارب إنسانية أساسية مثل الجنس؟ ما هي المعايير الأخلاقية التي يجب اتباعها في ما يتعلق بنشر ومشاركة هذا المحتوى؟ وما هو الدور الذي يجب أن تضطلع به الجهات التنظيمية لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات؟
 
إضافة إلى ذلك، يتعيّن دراسة التأثيرات المحتملة لهذه الابتكارات على الصحة النفسية والعاطفية للأفراد.
 
تنامٍ مقلق
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا هائلاً في حجم المحتوى الإباحي المزيف عبر الإنترنت. على سبيل المثال، ووفقاً لتقارير شركة Semrush، استقبل موقع  MrDeepFakes، الذي يُعدّ من أبرز المواقع المتخصّصة في الفيديوهات الإباحية المزيفة، نحو 88,4 مليون زيارة في كانون الثاني (يناير) 2023 وحده. 
 
ويشير التقرير إلى زيادة بنسبة 24 ضعفاً في عدد الفيديوهات الإباحية الاصطناعية منذ عام 2019. ويتمّ إنتاج وتحميل مئات الآلاف من الفيديوهات المزيفة في كل عام، والتي تستهدف في الأساس النساء والمشاهير، ما يثير مخاوف بشأن انتهاك الخصوصية واستغلال الهوية الرقمية.
 
وتشير دراسات إلى أن 96% من المحتوى المزيف المتاح عبر الإنترنت يتعلق بالإباحية، و99% من هذا المحتوى يستهدف النساء. ويعكس هذا الاتجاه استخداماً غير أخلاقي للتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، ما يستدعي تدخّلاً مجتمعياً وتنظيمياً لمواجهة هذه الظاهرة المقلقة.
 
تنميل جنسي!
يثير الاستخدام المتزايد للذكاء التوليدي في صناعة المحتوى الإباحي تحدّيات أخلاقية واجتماعية عميقة. من أبرز هذه التحدّيات مسألة الموافقة، حيث يتمّ إنتاج محتوى إباحي من دون موافقة الأشخاص المعنيين، ما يعدّ انتهاكًا للحقوق الشخصية والخصوصية.
 
من التطبيقات المثيرة للجدل في هذا السياق تقنية "التزييف العميق" (Deepfake) التي تمكّن من التلاعب بملامح الأشخاص وتعديل مظهرهم بطرق غير أخلاقية، مثل إزالة الملابس رقميًا، ما يُعدّ انتهاكًا صارخًا للخصوصية.
 
إضافة إلى ذلك، تتزايد المخاوف بشأن الأثر الاجتماعي لهذا المحتوى، حيث يمكن أن يعزز الصور النمطية السلبية ويعمق التمييز ضد النساء.
 
من ناحية أخرى، يؤثر المحتوى الإباحي المولّد بالذكاء التوليدي على الصحة النفسية والجنسية للأفراد. فقد يؤدي إلى ترسيخ معايير غير واقعية للجمال والجنس، ما يساهم في شعور الأفراد بعدم الرضا عن أجسادهم وانخفاض الثقة بالنفس. كما أن التعرّض المتكرّر لهذا النوع من المحتوى قد يؤدي إلى ظاهرة "التنميل الجنسي"، حيث يقل التفاعل مع المثيرات الجنسية الواقعية، ما ينعكس سلبًا على العلاقات الحقيقية. هذه التحدّيات تُظهر بوضوح أن هناك حاجة ماسّة لمواجهة الاستخدامات غير الأخلاقية للتقنيات التوليدية وحماية الخصوصية وحقوق الأفراد.
 
لائحة حمائية
في مواجهة هذه التحدّيات، تتخذ الحكومات والهيئات التنظيمية حول العالم خطوات للحدّ من انتشار المحتوى الإباحي المزيف.
 
ففي الولايات المتحدة، أصدرت ولايات مثل كاليفورنيا وفيرجينيا قوانين تجرم إنتاج أو نشر المحتوى الإباحي باستخدام تقنيات التزييف العميق من دون موافقة الأفراد. كذلك، اتخذت المملكة المتحدة وأستراليا خطوات مماثلة لحماية الأفراد من هذا النوع من الاستغلال.
 
وفي الاتحاد الأوروبي، تحمي اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) الأفراد من استغلال بياناتهم الشخصية لإنشاء محتوى إباحي من دون موافقتهم، وتقوم دول مثل فرنسا باتخاذ إجراءات إضافية لتعزيز هذه الحماية.
 
في السياق نفسه، تعمل شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "فايسبوك" و"إكس" و"غوغل" على تطوير أدوات لرصد وإزالة المحتوى الإباحي المزيف من منصاتها.
 
إلى جانب ذلك، هناك مبادرات توعوية تهدف إلى زيادة الوعي بمخاطر استخدام الذكاء التوليدي في إنتاج المحتوى الإباحي. وتعدّ مسابقة "تحدّي اكتشاف التزييف العميق"  (Deepfake Detection Challenge) واحدة من تلك المبادرات التي تسعى إلى تطوير تقنيات تكشف المحتوى المزيف بشكل دقيق.
 
مع تطور تقنيات الذكاء التوليدي في صناعة المحتوى الإباحي، تتصاعد التحدّيات الأخلاقية والاجتماعية، ما يتطلّب تشريعات صارمة وتوعية مجتمعية لضمان الاستخدام المسؤول. يجب تحقيق توازن بين الابتكار وحماية حقوق الأفراد وخصوصيتهم، وتجنّب التأثيرات السلبية على الصحة النفسية والجنسية والاجتماعية. ويلعب المجتمع والحكومات دورًا مهمًا في اجتراح الحلول لهذه الظاهرة، إذ تعمّق التكنولوجيا الفجوات الاجتماعية وتزيد الاستغلال الجنسي. لذا، يتطلّب الأمر إطارًا تنظيميًا يتضمن قوانين صارمة وحملات توعية لضمان بيئة رقمية أكثر أمانًا وعدالة للجميع.
 

اقرأ في النهار Premium