مع تزايد الاعتماد على تطبيقات الدردشة في بيئة العمل مثل "غوغل شات" Google Chat و"سلاك" Slack و"مايكروسوفت تيمز" Microsoft Teams ، أصبحت هذه الأدوات جزءاً لا يتجزأ من عملية التواصل والتعاون بين الموظفين. فهي تسهّل العمل الجماعي وتعزز الإنتاجية من خلال توفير منصات فورية لتبادل الأفكار والمعلومات. ومع ذلك، يظهر جانب آخر أقل وضوحاً في هذا الانتشار الواسع، حيث أصبح الموظفون يشعرون براحة متزايدة في استخدام هذه التطبيقات للتنفيس عن ضغوطهم أو للتعبير عن مشاعرهم الشخصية تجاه العمل. ولكن، في خضم هذا الشعور بالراحة، يغفل البعض عن حقيقة أن ما يُكتب عبر هذه المنصات قد لا يظل خاصاً كما يُعتقد.
حادثة "ديزني"!
خلال الشهر الماضي، أعلنت شركة "ديزني" عن إيقاف استخدام تطبيق "سلاك" Slack، بعدما تمكن هاكر من اختراق حساب أحد المديرين التنفيذيين، ما أدّى إلى تسريب ملايين الرسائل الداخلية. تضمنت هذه الرسائل معلومات حساسة مثل أكواد برمجية، وتفاصيل عن مشاريع لم تُطرح بعد، وحتى صوراً لكلاب الموظفين.
وفي هذا السياق، وخلال مقابلتها مع "النهار العربي" توضح فاطمة ناصر علي نصير نصيري، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في جامعة زايد، أن هذه المنصات تقوم بتخزين بيانات الاتصال على خوادم السحابة، ما يتيح للمسؤولين الوصول إلى السجلات ومراقبة المحادثات لضمان الامتثال للأمان والانتاجية. العديد من هذه التطبيقات توفر أدوات لتتبع نشاط المستخدم وأرشفة الرسائل، والتي يمكن استرجاعها لأغراض التدقيق أو لأسباب قانونية. هذا يعزز من قدرة الشركات على مراقبة الأنشطة والتأكّد من الالتزام بالسياسات الداخلية.
وتضيف نصيري، أن تطبيقات التعاون شهدت تبنياً واسعاً على مستوى العالم، وزادت بشكل كبير بعد الجائحة. وفي العالم العربي، يزداد تبنّي هذه التطبيقات بشكل مطرد في القطاعات المؤسسية والوكالات الحكومية، حيث تتكيّف الشركات مع نماذج العمل عن بُعد والهجين. هذا التحول يعكس الحاجة إلى أدوات تسهل التعاون والاتصال الفعّال في بيئات العمل الجديدة.
كما تناقش نصيري التحدّيات الأساسية المرتبطة باستخدام هذه التطبيقات، والتي تشمل مخاوف الخصوصية، والتحيّز المحتمل في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، والمراقبة المفرطة، وخطر تقويض الإبداع والثقة بين الموظفين. هناك أيضاً مخاطر تتعلق بانتهاكات البيانات أو إساءة استخدام المعلومات الحساسة، ما يزيد من أهمية التعامل بحذر مع هذه الأدوات.
التوازن بين الأمان والخصوصية
في كثير من الأحيان، تقوم الشركات بتسجيل المحادثات، بما في ذلك الرسائل الخاصة، سواء كان ذلك بوعي منها أو نتيجة للإعدادات الافتراضية لتلك التطبيقات. وحتى الرسائل التي يتمّ حذفها قد تبقى محفوظة على الخوادم إذا كانت الشركة تحتفظ بنسخ احتياطية لأسباب تنظيمية أو قانونية. وتشير نصيري إلى ضرورة تحديث سياسات الاحتفاظ بالبيانات بانتظام لضمان عدم استخدام المعلومات المحفوظة بطرق تتعارض مع مصالح الموظفين.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز قدرة الشركات على مراقبة الموظفين من خلال تسجيل المكالمات أو تحليل نبرة المحادثات. وفي بعض الأحيان، يكون تسجيل المكالمات واضحاً، لكن ليس دائماً. وتعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل استباقي لفحص المحتوى بهدف حماية المنظمة من المخاطر أو مراقبة مشاعر الموظفين.
وترى نصيري، أن الشركات يمكنها تحقيق توازن بين الأمان وحماية الخصوصية من خلال وضع سياسات واضحة لاستخدام البيانات، وضمان الشفافية في عمليات المراقبة، وتقييد استخدام الذكاء الاصطناعي ليقتصر على المهام الأمنية. كما توصي بتطبيق تقنيات التشفير وإخفاء الهوية لحماية خصوصية الموظفين مع الحفاظ على مستوى الأمان الذي توفره هذه الأدوات.
حدود الأمان في التواصل الرقمي
لا مشكلة في تبادل الصور أو استخدام الصور المتحركة والرموز التعبيرية أثناء المحادثات في بيئة العمل، لكن من المهم أن نكون حذرين عند التعبير عن الآراء الشخصية أو الانتقادات. وكما تشير لورنا هاغن، الشريكة المؤسسة لشركة Win Consulting، وهي شركة متخصصة في استشارات بيئات العمل وتحسين الأداء: "هذه الأدوات ليست مساحة للتعبير الحر، بل هي مخصصة لتعزيز الإنتاجية".
الشكاوى الآمنة!
ربما يكون من الأكثر أماناً التعبير عن الشكاوى عبر تطبيقات مشفرة مثل"آي مسج" iMessage، "واتساب" و "سيغنال"، حيث تكون الرسائل المسجلة أو المعترضة غير مفهومة في معظم الحالات، وتوفر بعض هذه التطبيقات إعدادات لحذف الرسائل تلقائياً بعد فترة. ومع ذلك، يجب الحذر لأن هذه الرسائل قد تُسجّل على أجهزة الشركة، إذا كانت هناك برامج مراقبة موجودة. وينصح الخبراء بأن الشكوى الأكثر أمانًا هي تلك التي تتمّ وجهاً لوجه، كما تقول ريتا جاي كينغ، مؤسسة شركة Power Pairs للاستشارات: "أي شيء تقوله في صيغة رقمية يمكن أن يعود ليطاردك". ربما تقدّم هذه النصيحة سبباً إضافياً للعودة إلى المكتب والتحدث شخصياً بدلاً من الاعتماد على الرسائل الالكترونية.
ختاماً، يُظهر التحليل المشترك مع فاطمة ناصر علي نصير نصيري، أن الاستخدام المتزايد لتطبيقات الدردشة في بيئة العمل يستدعي الحذر والوعي الكامل بمخاطر الخصوصية المرتبطة بها. على الموظفين أن يتذكروا دائماً أن ما يُكتب على هذه التطبيقات قد لا يبقى خاصاً، وأن الاستخدام الذكي لتلك الأدوات يتطلب الانتباه إلى طبيعة المحتوى الذي يتمّ تبادله، مع الحفاظ على بيئة عمل آمنة وفعّالة.