النهار

مدن محايدة كربونياً: كيف يحسن الذكاء الاصطناعي كفاءة الطاقة المتجددة
راغب ملّي
المصدر: النهار العربي
يتطلّب بناء بيئات حضرية مستدامة الاعتماد على مصادر طاقة متجدّدة موثوقة، إلّا أن التحدّي الرئيسي يكمن في ضمان استقرار هذه الإمدادات بسبب الطبيعة المتقلبة لهذه المصادر.
مدن محايدة كربونياً: كيف يحسن الذكاء الاصطناعي كفاءة الطاقة المتجددة
صورة تعبيرية
A+   A-
يتطلّب بناء بيئات حضرية مستدامة الاعتماد على مصادر طاقة متجدّدة موثوقة، إلّا أن التحدّي الرئيسي يكمن في ضمان استقرار هذه الإمدادات بسبب الطبيعة المتقلبة لهذه المصادر. تعتمد تقنيات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بشكل كبير على التغيّرات المناخية، ما يؤدي إلى صعوبة في تحقيق تدفق مستمر للطاقة. في حالات الطقس القاسية مثل موجات البرد أو الحر الشديد، يرتفع الطلب على الطاقة بشكل حاد في وقت قد يتناقص فيه إنتاج الطاقة، ما يشكّل تهديداً لاستقرار الشبكات الكهربائية في المدن. الحلول التقليدية قد تلجأ إلى الوقود الأحفوري لتلبية هذه الفجوات في الإمداد، ولكن المدن الطامحة إلى تحقيق الحياد الكربوني تحتاج إلى تطوير استراتيجيات مبتكرة لضمان استقرار الطاقة من دون التأثير السلبي على البيئة.
 
أي دور للذكاء الاصطناعي! 
هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليكون له تأثير تحولي. كما أوضح الدكتور جوانغوو هان من معهد كوريا لأبحاث الطاقة، أنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل الكهرباء أرخص وأكثر استقراراً. وطوّر فريقه البحثي خوارزمية ذكاء اصطناعي تدير شبكة الطاقة، ما أدّى إلى تقليل تكاليف الكهرباء بنسبة 18% وتحسين استقرار الشبكة. كما ساعدت الخوارزمية في تحقيق معدل اكتفاء ذاتي من الطاقة بنسبة 38% ومعدل استهلاك ذاتي بنسبة 58%، ما يُظهر إمكانات الذكاء الاصطناعي في جعل البيئات الحضرية أكثر استدامة.
 
وفي مقابلة مع الدكتور جاسم حاجي، المستشار التنفيذي لمركز سمو الشيخ ناصر للبحوث والتطوير في الذكاء الاصطناعي (البحرين) ، أوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز استقرار شبكات الكهرباء التي تعتمد على الطاقة المتجددة، خصوصاً في مواجهة التغيّرات المناخية المفاجئة. وشرح الدكتور حاجي، أن الذكاء الاصطناعي يقدّم قدرة تنبؤ دقيقة بالتقلّبات في إنتاج الطاقة المتجددة والطلب على الكهرباء، ما يسمح باتخاذ إجراءات استباقية للحفاظ على التوازن بين العرض والطلب. إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين إدارة الشبكة الكهربائية عبر التحكم الذكي في تدفق الكهرباء، ما يساعد في اكتشاف الأعطال بشكل أسرع ويُحسن من كفاءة الشبكة.
 
وأكّد الدكتور حاجي، أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أيضاً دمج حلول تخزين الطاقة، من خلال تحديد الأوقات المثلى لتخزين الطاقة الزائدة من مصادر الطاقة المتجددة واستخدامها عند ارتفاع الطلب، ما يساهم بشكل كبير في استقرار الشبكة. وعند سؤاله عن إمكانية تطبيق هذه التقنيات على نطاق واسع في المدن الكبرى، أكّد حاجي أن ذلك ممكن للغاية، بل إنه الأكثر فائدة للمدن الكبرى نظراً لكثافة الاستهلاك وتنوع مصادر الطاقة فيها. ومع ذلك، أوضح أن هذا التحول يتطلّب استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية وتطوير المهارات البشرية.
 
ماذا عن التحدّيات؟ 
رغم الإمكانيات الهائلة التي يقدّمها الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكات الكهرباء، إلّا أن هناك العديد من التحدّيات التي يجب التغلب عليها، خصوصاً في المناطق ذات البنية التحتية غير المتطورة. وأشار الدكتور حاجي إلى أربع تحدّيات رئيسية تواجه هذه الخوارزميات:
1.جودة البيانات: تحتاج خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى كميات كبيرة من البيانات الدقيقة والعالية الجودة، وهذا قد يكون تحدّياً في بعض المناطق.
2.تكاليف التطوير والتشغيل: تتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة في البنية التحتية التكنولوجية والكوادر البشرية.
3.الأمن السيبراني: تُعدّ الشبكات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي عرضة للهجمات السيبرانية، ما يتطلب إجراءات أمنية صارمة لحمايتها.
4.البنية التحتية القائمة: قد يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في شبكات الكهرباء الحالية إجراء تعديلات كبيرة، وربما استبدال بعض المعدات.

مبادرات في عالمنا العربي
أوضح الدكتور حاجي، أن العالم العربي يشهد بعض المبادرات الرائدة في تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لإدارة شبكات الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، أشار إلى مبادرة شركة "أسري" في البحرين التي طورت، بالتعاون مع مركز سمو الشيخ ناصر للبحوث والتطوير، نظاماً يعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة وتحليل استهلاك الطاقة بشكل مستمر. كما أطلقت المملكة العربية السعودية مركز الذكاء الاصطناعي للطاقة، ما يشير إلى الاهتمام المتزايد في المنطقة بتبني هذه التقنيات. ومع ذلك، أكّد حاجي أن الاستخدام الواسع للذكاء الاصطناعي في هذا المجال لا يزال محدوداً في العالم العربي. ومن أبرز العقبات التي تعرقل هذا التبني الواسع:
1.التكاليف الأولية: تتطلب تقنيات الذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة، خصوصاً في تحديث شبكات الكهرباء، لتكون قادرة على الاتصال الفوري وجمع البيانات المطلوبة.
2.التحدّيات التقنية والبشرية: تحتاج المنطقة إلى تحسين المهارات التقنية للعاملين وتطوير البنية التحتية الرقمية، لتمكين استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وختم الدكتور حاجي حديثه بالتأكيد على أن الطريق نحو تبنٍ واسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكات الطاقة المتجددة مليء بالتحدّيات، لكنه يحمل إمكانات هائلة لتحقيق الحياد الكربوني وجعل المدن الحضرية أكثر استدامة.
 

اقرأ في النهار Premium