في عالم أصبح فيه الإنترنت جزءاً من حياتنا اليومية، ظهرت شخصية مميزة جمعت بين الدين والتكنولوجيا بشكل غير مسبوق. كارلو أكوتيس، الشاب الإيطالي الذي وُلد في 3 أيار (مايو) 1991، تحوّل إلى رمز ديني حديث عُرف بلقب "قديس الإنترنت"، بعدما استخدم مهاراته في التكنولوجيا لنشر الإيمان والخير عبر الإنترنت. رحل كارلو في سن الخامسة عشرة، لكنه ترك إرثاً مستمراً جعل منه مصدر إلهام للشباب حول العالم.
شغف مبكر بالتكنولوجيا والإيمان
وُلد كارلو في ميلانو لعائلة عادية، لكنه أظهر منذ صغره شغفاً كبيراً بالتكنولوجيا والحواسيب. تمكن في سن مبكرة من تعلم البرمجة، التصميم، وتطوير مواقع الويب. وتميّز كارلو عن أقرانه بإيمانه القوي وشغفه بالدين، حيث كان يعيش حياة مكرّسة للصلاة والعبادة إلى جانب موهبته التقنية.
منذ طفولته، أدرك كارلو أن الإنترنت، رغم كونه وسيلة ترفيهية وتجارية لدى كثيرين، يمكن أن يكون أداة هائلة لنشر الإيمان المسيحي وتعزيز القيم الروحية. بفضل فهمه العميق لكل من الدين والتكنولوجيا، بدأ في استخدام الإنترنت لتوثيق ونشر الأعاجيب المرتبطة بسرّ القربان المقدّس، وهي معجزات دينية تُعزّز الإيمان بين المؤمنين.
[في المسيحية، يشير تعبير "سرّ القرنان المقدّس" في المسيحية، إلى الوحدة والمحبة بين المسيحيين، وبصورة أساسية الإيمان بالسيد المسيح وبالخلاص الشامل عبره].
فلسفة كارلو: التكنولوجيا في خدمة الإيمان
في عمر مبكر، أنشأ كارلو موقعاً إلكترونياً يوثق فيه أعاجيب القربان المقدّس من مختلف أنحاء العالم. كانت فكرته أن يجمع المعلومات حول هذه الأعاجيب ويقدّمها بطريقة جذابة وسهلة الفهم، بحيث تكون متاحة للشباب الذين يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، لكنهم قد يجدون صعوبة في التواصل مع طُرُق التدّين التقليدية. ساعد هذا المشروع في تقريب الإيمان المسيحي إلى أعداد كبيرة من الناس.
كانت رؤية كارلو حول الإنترنت متفرّدة، وتمحورت حول استخدام الإنترنت كوسيلة لنشر الخير والروحانية.
قال كارلو أكوتيس في إحدى مقولاته الشهيرة، "الجميع يولدون كأصلاء، لكن الكثيرين يموتون كنسخ". عبّرت هذه العبارة عن نظرته الفريدة للحياة والتكنولوجيا ولاستخدام الإنترنت في مساعدة الناس في أن يصبحوا نسخاً أفضل عن أنفسهم، بدلاً من أن يغرقوا في التبعية العمياء أو المحتوى السطحي.
من خلال حياته القصيرة، أثبت كارلو أن التكنولوجيا ليست بالضرورة وسيلة للبُعد عن الله، بل يمكن أن تكون جسرًا يربط الناس بالإيمان ويعزّز قيم الخير والمساعدة.
مسيرة القداسة: تكريس حياته لله
إلى جانب نشاطه الإلكتروني، عُرِفَ كارلو بأعماله الخيرية ومساعدة المحتاجين. واهتم بالفقراء ويدعو زملاءه لمساعدة الأقل حظًا. وبالرغم من أنه كان يعاني من سرطان الدم (اللوكيميا)، لم يتوقف عن نشر رسالته عبر الإنترنت حتى أيامه الأخيرة، مؤمناً بأن كل ما يمر فيه هو جزء من مشيئة الله.
توفي كارلو في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2006 عن عمر يناهز 15 عاماً، لكنه ترك وراءه إرثاً لا يُنسى. بفضل جهوده في استخدام التكنولوجيا لخدمة الدين، تمّ تطويبه في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2020 من قبل الفاتيكان، ليُعرف بلقب "قديس الإنترنت".
لقد أثبت كارلو أن التكنولوجيا، عند استخدامها بحكمة، يمكن أن تكون أداة للتقريب بين الناس والإيمان.
اليوم، يُعدّ كارلو أكوتيس مصدر إلهام للشباب في جميع أنحاء العالم. قصته تُظهر أن التكنولوجيا والإيمان لا يتعارضان، بل يمكن أن يعملا معاً لتحقيق الخير وخدمة الله.