على رغم تأجيل موعده الذي كان مقرراً السبت 4 أيار (مايو)، لا حديث في الشارع الجزائري سوى عن "ديربي العاصمة" الذي سيجمع فريقي "شباب بلوزداد" و"مولودية الجزائر"، فالقمة المثيرة المرتقبة في موعدها الجديد 29 حزيران (يونيو)، بين قطبي كرة القدم في العاصمة الجزائرية، "السياربي" و"المولودية"، تغطي على كل الأحداث الأخرى التي تشهدها الساحة المحلية.
وبمجرد الإعلان عن تأهل "شباب بلوزداد" إلى نهائي الكأس بعد الفوز على "اتحاد الجزائر" بضربات الترجيح، بلغ الشغف الكروي ذروته انطلاقاً من أعالي "باب الوادي" (أحد أقدم أحياء مدينة الجزائر) و"القصبة" البيضاء السعيدة التي تعيش منذ قرابة عقد على إيقاع ديربي سنوي يجمع الإخوة الأعداء، مروراً بأحياء "المدنية" والمعروفة بـ"صالومبي" وصولاً إلى الأحياء الشعبية المكتظة بأنصار الفريقين على غرار بلدة "درقانة" التي تعتبر معقل جماهيرهما.
متنافسون دوماً... لكن ليسوا أعداء
ولا يمكن لزائر هذه البلدة، وحتى بعض الأحياء المجاورة لها، ألا يشد انتباهه ما يقوم به أنصار الفريقين معاً، والذين حولوا عشقهم المجنون وتعلقهم الشديد بالساحرة المستديرة إلى ثورة فنية تحولت فيها جدران العمارات والشوارع الرئيسية إلى جداريات غلبت عليها الألوان... الأحمر والأخضر والأبيض.
وعلى جدران إحدى عمارات الحي الدبلوماسي في "درقانة"، رسم أبناء "العقيبة" (نسبة إلى مناصري "شباب بلوزداد") جدارية كبيرة باللونين الأحمر والأبيض، كتب عليها شعار "السياربي" باللغة الفرنسية وتحته دونت عبارة "أسياد البلد". وعلى بضعة أمتار تلفت انتباهك جدارية أخرى متعددة الألوان، الأحمر والأخضر والأبيض التي ترمز إلى العلم الجزائري، وعليها صورة للثائر الأممي آرنستو تشي غيفارا، الذي يراه الجزائريون رمزاً للثورة على الظلم والاستبداد والاستعمار، وأرفق بشعار "العميد" ("مولودية الجزائر") كونه أول ناد جزائري أُسّس في 7 آب (أغسطس) 1921.
هنا وفي هذه الأحياء لا يمكنك إطلاقاً التمييز بين مناصري "سياربي" و"لمسيا"، إذ تجد في الحي الواحد أو حتى في البيت الواحد فرداً يشجع "المولودية" وآخر يناصر "شباب بلوزداد"، وأحياناً يكون ثمة تنافس حتى بين الزوجين، فالأم تناصر فريقاً والأب يناصر الفريق الآخر بحكم أنهما ترعرعا بين أحضان قلعة "القصبة" الشهيرة وحي "بلكور" الشعبي.
الأغاني الرياضية ملح الديربي
ولا يمكن التجوال في معاقل الفريقين من دون الرقص على أنغام الأغاني الرياضية التي تعتبر ملح كرة القدم، ومن دونها لن تجد لها لوناً ولا طعماً، ومما يردد "سياربي عزيزة عليا" و"سياربي في قلبي" و"أنا قلبي يعشق المولودية" و"جامي نسمح في الغالي" (لن أفرط في الغالي)، وبين الحين والآخر تمتزج هذه الأغاني بزغاريد النسوة التي يعلو صداها من شرفات المنازل.
من هذه الأحياء إلى معاقل "العميد" و"السياربي" في أعالي العاصمة الجزائرية، البداية كانت من ديار "المحصول والكنونفور" (أحد أشهر أحياء مدينة صالومبي) المحاذي لمقام الشهيد (يتمتع بإطلالة بانورامية على شمال البلاد، وهو معلم تاريخي يرمز إلى تاريخ الكفاح الجزائري)، ومنذ الوهلة الأولى التي تطأ فيها قدماك الحي تدرك أنك وسط المتيمين بالحمراء والبيضاء نسبة إلى فريق "شباب بلوزداد". "هنا كل شيء يهون في سبيل السياربي"، يقول محمد الذي وفر راتبه الشهري لشراء الألعاب النارية وساهم برفقة أبناء الحي في شراء الرايات العملاقة الممجدة للفريق، وترك قسطاً من راتبه لليلة التتويج لأنه يؤمن بأن الكأس لن تكون إلا لهم.
المشاهد نفسها تتكرر في أحياء المرادية (بلدة من بلديات العاصمة الجزائرية، تضم مقار حكومية منها قصر الرئاسة الجزائري المعروف باسم قصر المرادية)، فأينما اتجهت تقابلك جداريات عملاقة قام مجموعة من الشباب الموهوبين برسمها لتسجيل انفعالاتهم ومشاعرهم تجاه الحدث. جل الكتابات والرسومات مشفرة وباللغة الفرنسية، ومعظمها رسمت في جنح الليل هُرباً من مصالح الأمن وقاطني الأحياء الذين يرفضون بشكل قاطع الرسم على جدران العمارات.
الإبداع في شارع "فيزوندور"
من هذه الأحياء إلى "باب الوادي" معقل أنصار أعرق الأندية الجزائرية، والبداية كانت من حي "فيزوندور" العتيق، هنا يمكن القول إن المولودية هي جزء لا يتجزأ من الهوية، والهوية هي الانتماء، ولذلك أصبحت العلاقة التي تربط بين الأنصار وفريقهم بمثابة قصة عشق أبدية، وقد تفننت مجموعة من الشباب في اختيار شعاراتهم التي حملتها رايات ضخمة باللونين الأحمر والأخضر وكتب فيها "في شمال أفريقيا... هذا النادي هو المشهور... غير شارك فالمولودية... يا لي حايب تلعب"، وهي كلمات أول أغنية جزائرية تغنى بها الراحل الحاج مريزق لعميد الأندية الجزائرية.
وبمجرد ولوجك إلى حي "الساعات الثلاث" القلب النابض لباب الوادي، تجد نفسك ترقص على أنغام فرقة "تورينو" دون أن تشعر، وفي كل زاوية تلمح مجموعة من الشباب يرقصون على إيقاعات "الطبلة" أو "الدربوكة" وتتحكم فيها مجموعة من الهواة، وبين الحين والآخر يطلق أحدهم "زغرودة" لا تختلف إطلاقاً عن زغاريد النسوة.
تودع "تغوا زوغلوج" و"فيزوندور" لتتجول في "ساحة الشهداء" والمعروفة لدى السكان المحليين بـ"الروتشار"، الأجواء هنا أكثر حماسة لأن "العميد" تأسس في القصبة السفلى، فلم يركن الأنصار في هذه الأماكن إلى الراحة منذ شهر تقريباً، وتحول السوق الشعبي المشهور في هذه المنطقة إلى سوق لبيع الرايات والقمصان والقبعات.
انتهت الجولة الميدانية، والقمة الكروية تقترب، "والسوسبانس" يبلغ أشده، فلمن ستبتسم الكأس هذه المرة؟