أعاد قرار حكومي بحظر دخول الجماهير إلى ملاعب مدن غرب ليبيا بسبب الشغب، تسليط الضوء على التحديات التي تواجه كرة القدم ومستوى المنافسات في بلد يعاني انقساماً سياسياً وانفلاتاً أمنياً، فيما قد تكون للخطوة تبعات على مستوى استضافة ليبيا المنافسات الدولية.
وبسبب انقسام ليبيا شطرين، قُسمت الفرق المتنافسة في الدوري المحلي مجموعتين، تضم الأولى 10 فرق وتلعب على ملاعب شرق ليبيا، فيما تضم المجموعة الثانية 11 فريقاً تخوض المنافسات على ملاعب مدن الغرب. ويُقام الدوري من مرحلتين ذهاباً وإياباً، ويتأهل من كل مجموعة الأندية الثلاثة الأوائل إلى دوري سداسي لتحديد بطل المنافسة والفرق التي ستنافس في البطولات الأفريقية.
وكانت السلطات الليبية قد سمحت في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي بدخول الجماهير إلى ملاعب كرة القدم، لتنهي فترة من الحظر طاولت 12 عاماً. لكن في أعقاب مباراة بين فريقي "الأولمبي" و"الاتحاد"، مساء الثلثاء الماضي، على ملعب مدينة الزاوية (غرب ليبيا) وانتهت بالتعادل بهدف لمثله، وقعت اشتباكات بين جماهير الفريقين، أعلنت على إثرها وزارة الداخلية في الحكومة المسيطرة على الغرب الليبي قراراً بمنع الجماهير من حضور المباريات لأجل غير مسمى، مطالبة الاتحاد الليبي لكرة القدم باتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل القرار "كإجراء احترازي تفادياً لحصول ما لا تُحمد عقباه".
وسارع رئيس لجنة المسابقات في اتحاد الكرة الليبي أحمد أنيس الباشا إلى ابلاغ رؤساء الأندية المتنافسة في المجموعة الثانية (التي تلعب على ملاعب غرب ليبيا) قرار وزارة الداخلية.
وانتشرت مقاطع فيديو على نطاق واسع لمظاهر فوضى الجماهير بعد خروجها من الملعب، حيث وقعت اشتباكات بين عشرات المشجعين غالبيتهم من الصبية تبادلوا خلالها القذف بالحجارة، بالإضافة إلى نشوب عراك بالأيدي استخدمت فيه العصي. ويأتي القرار بعد نحو شهرين من إعادة افتتاح ملعب طرابلس الدولي، بعد تطويره، واعتماد الاتحاد الأفريقي "كاف" الملعب رسمياً لاستضافة المنافسات الدولية، فيما شهدت مباريات في الدوري المحلي حوادث اعتداء عدة كان ضحيتها طواقم التحكيم.
مرحلة حاسمة كروياً
ودخل الدوري الليبي الممتاز على صعيد المجموعة الثانية منعرجاً حاسماً مع بقاء جولتين فقط على نهاية المرحلة لفرق المجموعة الثانية من أجل التأهل إلى سداسي التتويج بالمسابقة في النسخة الحالية، وحتى اللحظة ضمن "الأهلي طرابلس" التأهل، فيما بات الصراع على أشده بين أندية "المدينة" الثاني (30 نقطة)، و"الاتحاد" الثالث (27 نقطة)، و"الاتحاد المصراتي" الرابع (25 نقطة)، و"السويحلي" الخامس (23 نقطة).
أما في المجموعة الأولى التي تلعب في شرق ليبيا، فيحتاج فريق "النصر" متصدر المجموعة إلى نقطة واحدة من مبارياته الثلاث المتبقية من أجل ضمان التأهل، فيما تتنافس فرق: "الأهلي بنغازي" الثاني (30 نقطة) و"الهلال" الثالث (29 نقطة) و"التعاون" الرابع (25 نقطة) و"الأخضر" الخامس بالرصيد نفسه، على بطاقتي التأهل للمنافسة على لقب الدوري.
رفض "الاتحاد" حرمانه من جمهوره
وأمام اشتعال المنافسة، رفض نادي "الاتحاد" قرار السلطات الأمنية وتمسك بـ"حقه في خوض مباراته المقبلة أمام السويحلي على أرضه وأمام جماهيره". وقال النادي في بيان: "خرج علينا رئيس لجنة المسابقات باتحاد الكرة بكتابه الأخير مخاطباً فيه مجالس الأندية الرياضية المشاركة في منافسات الدوري بلعب الجولات الباقية من دون حضور الجمهور، مؤسساً كتابه بالأحداث المؤسفة التي شهدتها مباراة الاتحاد والأولمبي". واعتبر النادي أن الخطاب الصادر عن رئيس لجنة المسابقات "هو حق أُريِد به باطل، وهو حرمان نادي الاتحاد من مؤازرة جماهيره في مباراته المفصلية أمام منافسه السويحلي، في قمة مباريات الجولة الثامنة عشرة من منافسات الدوري الليبي لحساب المجموعة الثانية، وهي مباراة سوف تحدد نتيجة مسار الفريق في التأهل إلى سداسي التتويج".
ورأى النادي أن "قرار منع الجمهور من حضور المباريات، يحدث لغاية واحدة وهي إبعاد الفريق وإقصاؤه عن التأهل إلى الدورة السداسية"، مشدداً على تمسكه بـ"حق لعب ما تبقى من منافسات الدوري بحضور الجمهور، وهذا المطلب غير قابل للتفاوض أو المساومة".
"قرار متسرّع"
الناقد الرياضي الليبي يونس بسكري وصف قرار حظر دخول الجماهير بـ"المتسرع"، معتبراً أنه "يعبّر عن غياب الإدارة الصحيحة للشأن الرياضي الليبي"، ومحذراً من أن القرار الأمني "يؤثر في شفافية المسابقة ويعصف بمبدأ تساوي فرص المنافسة، فبعدما لُعبت مباريات الدور الأول بالكامل ومعظم الدور الثاني بحضور جماهيري يأتي القرار قبل ثلاث جولات حاسمة قبل انتهاء منافسات المجموعات، الأمر الذي سيضر بمصالح فرق ويفيد فرقاً أخرى".
وقال بسكري لـ"النهار العربي": "بالفعل وقع تراشق بين الجماهير بعد أحداث المباراة الأخيرة، لكن الحادث ليس الأول من نوعه بل جرت أحداث مشابهة في مباريات سابقة وصلت إلى حد تراشق الجماهير بالألعاب النارية داخل مدرجات الملاعب، من دون أن تتدخل السلطات، الأمر الذي يثير شكوك أندية باستهدافها".
وأضاف: "لسنا ضد الإجراءات الأمنية ونحن ضد أي شغب جماهيري، لكن كان على الأجهزة تعزيز وجودها الأمني في الملاعب مع تشديد إجراءاتها الانضباطية... هناك إجراءات أمنية متبعة في ملاعب العالم للفصل بين الجماهير، لكن وزارة الداخلية ذهبت إلى الحل الأسهل في منع الحضور الجماهيري".
أزمات الدوري تتفاقم
وفي السياق نفسه، رأى الناقد الرياضي عبد الرحيم نجم أن حظر الجماهير في هذا التوقيت "يفاقم أزمات الدوري المحلي". وأوضح لـ"النهار العربي" أن "القرار الذي صدر، ربما، بناءً على معلومات أمنية لكنه تأخر، ولم يأخذ في الاعتبار نتائجه، خصوصاً في تأثيره على تكافؤ الفرص، قبل جولات حسم الفرق المتأهلة إلى الدورة السداسية أو التي ستهبط إلى الدرجة الأدنى، الأمر الذي يضع السلطة في دائرة الاتهام".
وقال: "كنا في البداية ضد عودة الجمهور نظراً إلى الظروف الأمنية والسياسية التي تعانيها ليبيا... لكن السلطة خطبت ود جماهير كرة القدم لأغراض سياسية وسمحت لهم بدخول المدرجات من دون دراسة".
ولفت نجم أيضاً إلى أن الشغب الأخير في مدينة الزاوية "لم يكن الأول من نوعة بل إن معظم ملاعب ليبيا شهدت شغباً وأحداث عنف". كما اتفق مع بسكري على أنه "كان من الأجدى للأجهزة الأمنية تعزيز إجراءتها الانضباطية في الملاعب لحين انتهاء الجولات المتبقية من المسابقة المحلية، وبعدها تبحث في الملف برمّته".