هاني سكر
"توجت لأني قررت أن أكون كما أنا دون التأثر بطرق مبارزة الآخرين"، جملة وحيدة قالها فارس الفرجاني كانت كفيلة بشرح أحد أهم الأسباب التي جعلته يتجاوز خيبة الأولمبياد الماضي وتسجيل فضية في أولمبياد 2024، وهي الفضية الأولى التي يحصل عليها العرب في الدورة الحالية.
ذهب فرجاني لأولمبياد طوكيو 2020 بطموحات كبيرة جداً بعدما بدأ عام 2017 معسكراً في أميركا تحت إشراف مدرب أميركي ليطور قدراته بالمبارزة على سلاح سابر بعد مشاركته سابقاً في ريو 2016، لكن بالدورتين خرج فرجاني مبكراً فجأة، ولو أنه اعترف بعد تحقيقه فضية 2024 بأن هاتين المشاركتين ساعدتاه كثيراً للتقدم.
ركز فرجاني خلال حديثه عن الإنجاز الأولمبي بأن أكثر ما اهتم به هو تغيير الطريقة الذهنية التي يتعامل فيها مع المواجهات، فقال إنه بالسابق كان يفكر بالنتيجة باستمرار، لكنه غير أسلوبه وبات أكثر تركيزاً على كيفية رد لمسات لخصم والمبادرة لحد جعله يقلب النتيجة خلال النزالات دون أن يدرك ذلك.
يبدو شرح فرجاني لموقفه شبيهاً لما نسمعه عن الكثير من الرياضيين العرب دائماً، لأن ذهنية الخوف بالغالب تسيطر على عقول الرياضيين العرب وتصبح قلة الثقة عنواناً رئيسياً للطريق المؤدي إلى الإخفاق تحديداً في الألعاب الأولمبية التي يصبح فيها ثقل حلم الذهب الأولمبي كبيراً.
خرج العديد من الرياضيين العرب مبكراً عكس التوقعات الكبيرة منهم بأن يذهبوا بعيداً، على الأقل، بالوقت الذي اختار فيه فرجاني استثمار خبرته كي يجري تغييراً بالعقلية من النوعية التي يصعب إجراءها عادة لكن ببساطة امتلك فرجاني مواصفات البطل وقدراته.
لم يخفِ فرجاني أمر استعانته بمعدّ نفسي لتحسين تركيزه وتقليل التسرع الذي يمثل إحدى الصفات القاتلة لأي مبارز، وهو ما لعب دوراً مهماً بتحقيق تحول كبير بمسيرة فرجاني ليصل لنهائي باريس 2024 قبل أن يخسر أمام منافسه الكوري.
بدأ فرجاني المبارزة بعمر 10 سنوات بفضل دعم والديه وإخوته، وشارك بأولمبياد الشباب في الصين قبل 10 سنوات وحقق المركز الرابع، وبحسب قوله فإن هذا حفزه للاستمرار والحلم، وكان لمدربه الأميركي الدور الأكبر بتطويره وتعريفه على أجزاء جديدة في اللعبة.
لكن صاحب الـ27 عاماً تحدث عن صعوبات قد لا تكون قابلة للتوقع بعد إنجاز الفضية، فعند سؤاله عن المشكلات التي يواجهها الرياضيون التونسيون قال إن إحدى أهم المشكلات هي عدم قدرتهم على تحويل الأموال للخارج وإن ذلك يصعّب عليهم شراء المعدات أو التعاقد مع مدربين أجانب وإنه استعان بإخوته الموجودين خارج تونس كي يتمكن من تجاوز هذه المشكلة.
لطالما كان التونسيون مصدراً رئيسياً للإنجازات العربية أولمبياً، فرغم صغر مساحة البلاد إلا أن التونسيين حققوا 5 ذهبيات في الدوريات السابقة مقابل 3 فضيات و7 برونزيات، وتوزعت الميداليات التونسية على 6 رياضات مختلفة، وكانت حصة الذهب الأكبر بالسباحة مع 3 ذهبيات حقق أسامة الملولي 2 منها، ولو أن الأكثر حصولاً على الميداليات من حيث العدد كان العداء محمد القمودي الذي فاز بذهبية وفضتين وبرونزية.
حقق الفرجاني هذا العام ذهبية أفريقيا وفضية الأولمبياد، وبالنسبة له الهدف التالي هو تحقيق المزيد من الميداليات في لوس أنجليس 2028، والأمل أن يكون هناك رياضيون عرب أكثر يفكرون بطريقة فرجاني ويؤمنون بضرورة الثقة بالنفس والتركيز على المواجهة أكثر من الخوف من النتيجة والاعتقاد بأن تقليد أساليب الآخرين هو المفتاح للنجاح.