آية جبر
بينما كانت المنظومة الرياضية والجماهير المصرية تُمنّي النفس بالخروج المشرف من أولمبياد باريس 2024 لمنتخب مصر الأولمبي لكرة القدم، مع تقديم أداء نفتخر به على غرار العديد من الألعاب الأخرى التي ودع فيها اللاعبون المصريون من الأدوار الأولى، ولكن لا يزال البعض يشيد بهم، ويقدر المجهود الذي بذلوه من أجل التأهل إلى دورة الألعاب الأولمبية.
كان المدرب البرازيلي روجيرو ميكالي يُهيئ نفسه من أجل قيادة لاعبي الجيل الحالي لتحقيق إنجاز تاريخي لم يسبق له مثيل من قبل، ويتأهل من الدور الأول في صدارة مجموعته، متفوقاً على واحد من أكثر أقوى المنتخبات "منتخب إسبانيا".
ولم يتوقف ميكالي عند هذا الحُلم، بل إنه أكد رغبته في تحقيق ما لم يتحقق في تاريخ مصر منذ عام 1964 عندما تأهل منتخب مصر الأولمبي لكرة القدم إلى المربع الذهبي من دورة الألعاب الأولمبية للمرة الثانية آنذاك، ولكنه حقق ما حققه جيل 1928 الذي تأهل لأول مرة من هذا الدور، وهو المركز الرابع دون الحصول على ميدالية.
روجيريو ميكالي .. صاحب الخلطة السحرية الذي خالف توقعات الجميع في أولمبياد باريس 2024
وبعدما قاد البرازيلي الفراعنة نحو الدور النصف النهائي، وساد الفرح في الشارع المصري لهذا الإنجاز التاريخي، سرعان ما عاد القلق إلى النفوس مرة أخرى، وأصبح الفوز بالميدالية البرونزية هو الحُلم الأكبر بعد تأهل المنتخب الأشرس، صاحب الديار في النسخة الحالية من الأولمبياد "منتخب فرنسا" إلى المربع الذهبي، وضرب موعداً مع منتخب مصر.
ولكن ربما يجب علينا إعادة النظر مرة أخرى في المباريات التي خاضها المنتخب المصري في أولمبياد باريس 2024 حتى الآن، وهل كان الأداء هو السبيل الأول نحو تحقيق إنجاز التأهل في الصدارة ثم الوصول إلى المربع الذهبي؟ أم كان ذكاء المدرب البرازيلي وروح اللاعبين هما العاملين الأساسيين وراء ذلك؟
لهذا يمكن القول بأن ميكالي قادر على قيادة المنتخب الأولمبي نحو إنجازِ آخر، وهو الوصول إلى النهائي، واللعب على إحدى الميداليتين الذهبية والفضية، وكل ما يلزمه في مباراة فرنسا، هو استمراره في الاعتماد على ذكائه الذي يعطيه القدرة على لعب المباريات بناءً على إمكانيات لاعبيه التي أظهرت أن سلاح المنتخب المصري هو لعب المرتدات السريعة بقيادة النجم أحمد سيد زيزو وإبراهيم عادل مع ترك الاستحواذ للمنافس، وقطع الكرات قبل الوصول إلى منطقة الجزاء.
وبالرغم من تأكد غياب زيزو عن مباراة فرنسا القادمة، إلا أن منتخب مصر الأولمبي يملك أكثر من لاعب يمكنه تعويضه، مثل أحمد نبيل كوكا في مركز 10 الذي سبق أن لعبها مع الأهلي، والاعتماد على كريم الدبيس في قيادة الجبهة اليسرى، مع محاولة الحفاظ على نظافة الشباك دون استقبال أهداف خاصة في الدقائق الأولى، وهو ما يحتاج إلى الصلابة الدفاعية ليس من ثنائي قلب الدفاع فقط بل والمساندة الجيدة من خط الوسط مع استمرار حمزة علاء في تقديم مستواه المميز طوال الأولمبياد.
وربما على الورق، تميل الحسابات إلى منتخب فرنسا، خاصة أنه يتسلح بالقوة الجماهيرية، إلا أن كرة القدم دائماً تعترف بما يُقدم داخل أرض الملعب، وليس العمليات الحسابية، خاصة أن ميكالي سبق أن فعلها، وأحضر الميدالية الذهبية لمصلحة منتخب البرازيل في أولمبياد ريو دي جانيرو السابقة.
هل يأتي عام الفرج للعرب بعد سنين عجاف؟
لم يكن منتخب مصر الأولمبي هو المنتخب العربي الوحيد الذي تمكن من تخطي دور المجموعات ثم ربع النهائي، ونجح في الوصول إلى المربع الذهبي، بل إن حامل لقب كأس أمم أفريقيا تحت 23 سنة، "منتخب المغرب"، كان على الجانب الآخر يسير في خطاه نحو تحقيق إنجاز مثل ما فعله المنتخب المغربي الأول في كأس العالم السابقة، حيث حصلوا فيها على المركز الرابع.
وكان المنتخب الأولمبي لأسود الأطلس قد تمكن من الوصول إلى ربع النهائي في صدارة المجموعة الثانية على حساب منتخب الأرجنتين العريق، ثم لقن الولايات المتحدة الأميركية درساً قاسياً في ربع النهائي بعدما انتصر عليها بثلاثية نظيفة، ليحقق إنجازاً تاريخياً لم تحقق من قبل في تاريخ المغرب، ويضرب موعداً مع منتخب إسبانيا الذي يمكن تحقيق الفوز عليه على غِرار الفراعنة بالجولة الثالثة في النسخة الحالية من الأولمبياد، ما يزيد من حظوظ الأسود الأفريقية في تحقيق إنجاز آخر، والوصول إلى النهائي للمرة الأولى في التاريخ.
وكأن النسخة الحالية من الأولمبياد التي لم يكن العرب فيها موفقين في معظم الألعاب، هي نسخة تحقيق الأحلام لمنتخبات كرة القدم، فهل ينجح منتخبا مصر والمغرب في تفجير المفاجأة بالوصول إلى النهائي، وحجز الذهبية والفضية لمصلحة العرب للمرة الأولى في التاريخ؟ بل لمصلحة القارة السمراء التي طالما قِيل إنها منجم الذهب الحقيقي لمواهب كرة القدم، وإن رأس مال أوروبا دائماً ما يأتي من داخلها، ولطالما نفت القارة العجوز ذلك! هل حان الوقت لنرى هذه الحقائق على أرض الواقع؟
في النهاية هي أيام قليلة، وسوف يُرفع الستار عن أحلام طال انتظارها.