أحرزت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف ذهبية تاريخية بنزالها الأخير في أولمبياد باريس 2024، بعد تغلّبها باجماع الحكّام على الصينية ليو يوانغ في ملاعب رولان غاروس، الجمعة في نهائي وزن 66 كلغ، متحدية جدلاً كبيراً والمشكّكين بهويتها الجنسية.
تغلّبت خليف على الصينية ليو يانغ المصنفة ثانية 5-0 باجماع الحكام، فاصبحت أول ملاكمة جزائرية وإفريقية تحصد ميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية.
وسمحت اللجنة الأولمبية الدولية لخليف بالمشاركة، بعد استبعادها إثر نصف نهائي بطولة العالم العام الماضي في نيودلهي، من قبل الاتحاد الدولي للملاكمة الموقوف أولمبياً بسبب قضايا حوكمة وفساد وتلاعب بالنتائج، لعدم اجتيازها اختبارات الأهلية الجنسية.
قالت ابنة الخامسة والعشرين "أنا سعيدة جداً. لثماني سنوات كان هذا حلمي، وأنا بطلة أولمبية اليوم".
وعلا الصراخ في ملعب فيليب شاترييه في رولان غاروس الذي تحوّل إلى قاعة لاستقبال نزالات الملاكمة، فور الاعلان عن اسم إيمان. وقفت الجماهير تصفّق وتلوّح بالأعلام الجزائرية وتهتف "إيمان، إيمان، إيمان...".
خيّم الحذر على بداية الجولة الأولى، إلا ان خليف كانت المبادرة فوجهت لكمات اصابت وجه ورأس منافستها ما منحها التفوّق، قبل أن يعلن الجرس انتهاء الجولة على وقع هتافات "وان، تو، ثري، فيفا لالجيري"، أي "تحيا الجزائر".
لم تتعب إيمان ولم تكل الجماهير، فتابعت في الجولة الثانية تحركاتها متفادية لكمات خصمتها وتحيّنت الفرص لتوجيه اللكمات.
وعندما اشارت شاشة عملاقة وُضعت داخل القاعة إلى تفوّق الجزائرية للمرة الثانية وقفت الجماهير مصفّقة. على وقع البوق وصرخات "أولي أولي"، استهلت الملاكمتان الجولة الثالثة، فحاولت إيمان تفادي لكمات منافستها ورغم ذلك انهالت عليها بالضربات وتلقت بعضها.
ورغم هجوم اللاعبة الصينية، إلا أن الفوز كان من نصيب خليف التي خرجت منتصرة من معركتها.
جنون غير مسبوق في القاعة واكبته خليف برقصة النصر مانحة القارة الإفريقية أول ذهبية في ملاكمة السيدات، قبل أن تتجه إلى مدربها وتعانقه بشدة.
حملها الطاقم التدريبي وطاف بها في القاعة وهي ترفع العلم الجزائري، فيما وقفت الجماهير تصرخ وتصفق.
نجمة الألعاب
أصبحت خليف واحدة من نجوم الألعاب الحالية في العاصمة الفرنسية، لكن لسبب لم تكن تشتهيه على الأرجح.
سمحت لها اللجنة الأولمبية الدولية بالمشاركة بعد ايقافها من قبل الاتحاد الدولي مع الملاكمة التايوانية لين يو-تينغ في بطولة العالم العام الماضي، لعدم تجاوزهما اختبارات الأهلية الجنسية.
حُرمت خليف في حينها من خوض نهائي بطولة العالم في نيودلهي بسبب عدم استيفاء معايير أهلية الجنس و"مستويات هرمون التستوستيرون"، بحسب موقع الألعاب الأولمبية الذي حذف لاحقاً التفسير.
نفى الاتحاد الدولي إجراء اختبارات لقياس مستوى التستوستيرون، لكنه لم يحدّد طبيعة التحليلات التي أجريت لاتخاذ قرار باستبعاد خليف ولين من بطولة العالم، في ظل نزاع حاد بين الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي الموقوف أولمبياً والذي يرئسه الروسي عمر كريمليف المرتبط بالكرملين.
عن تعاطيها مع الحملة التي واجهتها في الأيام الأخيرة، قالت في تصريح تلفزيوني "هناك فريق خاص من طرف اللجنة الأولمبية الدولية يتتبعني ويقوم بالواجب كي اتفادى هذه الصدمة. أركّز على المنافسة والأشياء الأخرى ليست هامة. المهم اني في النهائي الآن".
46 ثانية في النزال الأول
خاضت خليف ثلاث نزالات قبل النهائي، أوّلها أمام الإيطالية أنجيلا كاريني التي انسحبت بعد 46 ثانية فقط اثر لكمتين قويتين على رأسها من الجزائرية. تغلّبت بعدها بالنقاط على المجرية آنا لوتسا هاموري والتايلاندية جانجام سوانافنيغ لتبلغ النهائي، علماً انها حلّت خامسة في أولمبياد طوكيو صيف 2021.
تعرّضت لانتقادات بعد نزالها الاول، فقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني "أعتقد انه لا يجب السماح للرياضيات اللواتي يملكن خصائص وراثية ذكورية بالمشاركة في المسابقات النسائية".
ووصلت الانتقادات إلى ما وراء الأطلسي، فقال الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب بعد فوزها على كاريني "سأبقي الرجال خارج مسابقات السيدات".
أما الروائية جيه كيه رولينغ مؤلفة سلسلة رويات هاري بوتر، فكتبت على منصة إكس ان ألعاب باريس ستبقى "دوماً ملطخة بسبب الظلم القاسي الذي لحق بكاريني".
احتفالات في الجزائر
في المقابل، تدعمها اللجنة الأولمبية الدولية، ويحتفل مواطنوها في الجزائر بانتصاراتها.
تجمهر الناس في قريتها بيبان مصباح بولاية تيارت (جنوب غرب) لمتابعة نزالها الأخير وعلت الهتافات بعد إعلان فوزها.
قال والدها عمر خليف (49 سنة) لوكالة فرانس برس وهو يظهر صورها وهي صغيرة "ابنتي فتاة مؤدّبة وقوية، ربّيتها على العمل والشجاعة، وعندها تلك الإرادة القوية في العمل والتدريب".
بعد بلوغها نصف النهائي وضمانها ميدالية، ردّت باكية على منتقدين وصفوها بـ"الرجل"، وقالت لقناة بي إن سبورتس "هذه قضية كرامة وشرف كل امرأة او أنثى. الشعب العربي كله يعرفني منذ سنوات. منذ سنوات وأنا ألاكم في مسابقات الاتحاد الدولي الذي ظلمني. لكن أنا عندي الله".
نزاع حاد
وتشرف الاتحادات الرياضية الدولية على معظم الرياضات الأولمبية. ولكن بسبب استبعاد اللجنة الأولمبية الدولية للاتحاد الدولي للملاكمة لأسباب مرتبطة بالحوكمة والفساد المالي والتلاعب بالنتائج، كان عليها تنظيم المسابقة بنفسها في طوكيو في عام 2021، ثم مرة أخرى في باريس 2024.
وللاتحاد الدولي واللجنة الأولمبية معايير أهلية مختلفة لمنافسات السيدات.
أبلغ الاتحاد الدولي اللجنة الأولمبية الدولية عن طريق رسالة بالاختبارات، قائلاً إن خليف لديها كروموسوم ذكري "إكس واي"، وفقًا لتقارير إعلامية أكدتها اللجنة الأولمبية الدولية.
لكن الهيئة الأولمبية رفضت مرارًا وتكرارًا الاختبارات هذا الأسبوع ووصفتها بأنها "تعسّفية" و"مُركّبة معًا" وجادلت ضد ما يسمّى باختبارات الجنس، الاختبارات الجينية باستخدام المسحات أو الدم والتي ألغتها في عام 1999.
سمحت لخليف ولين بالمنافسة في باريس لأن أي شخص يتم التعرف عليه كامرأة في جواز سفره مؤهل للنزال.
في المقابل، ألقى كريمليف خطابات هجومية عدة ضد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ على وسائل التواصل الاجتماعي وقال إن الألعاب الأولمبية نظمتها "ضباع" تستحق أن تؤخذ إلى "مزرعة خنازير".