آية جبر
لم تكن لعبة كرة المضرب يوماً واحدة من الألعاب التي يشتهر بها العرب في العالم، ولم يضعوا بصمتهم الواضحة بها على مدار تاريخها، باستثناء بعض الطفرات التي مرت على تاريخ الرياضة في العالم العربي، وكان المغربي يونس العيناوي أشهر من أحدث هذه الطفرة في تاريخ العرب، بعدما تمكن من مصارعة الكبار منذ احترافه في هذه اللعبة عام 1990، حيث نجح في التتويج بخمسة ألقاب، إلا أنه في النهاية لم يتمكن من تحقيق أي من بطولات غراند سلام الأربع الكبرى حتى اعتزاله في عام 2009.
ولكن يبدو أن الحقبة الحالية هي فترة الطفرات العربية في لعبة كرة المضرب، بعدما أخرجت لنا مدينة سوسة التونسية لاعبة التنس أنس جابر التي بدأت كرة المضرب منذ صغرها، وهي بعمر الثالثة، وبدأت مسيرتها الاحترافية في الملاعب عام 2010، وظلت تنافس على المسابقات المختلفة في الاتحاد الدولي للتنس حتى تمكنت من الوصول إلى البطولات العالمية، وأن تصبح واحدة من أفضل لاعبات كرة التنس في العصر الحديث، والتي تحوز في جعبتها أربعة ألقاب من البطولات الاحترافية العالمية.
أنس جابر الشخصية العربية الأبرز
لم تكن طريق أنس جابر ممهدة بالورود منذ الخطوة الأولى، بل إنها قطعت طرقاً صعبة للغاية من أجل تحقيق ما لم يحققه أي لاعب عربي قط في اللعبة، وبالرغم من أن وزيرة السعادة، كما يطلق على جابر، قد نجحت في الدخول في ترتيب الـ100 الأوائل على مستوى العالم في فردي السيدات بعام 2017، إلا أنه يمكن القول بأن بدايتها الحقيقية في مسابقات الرابطة العالمية لكرة المضرب كانت في عام 2019 الذي شهد كسرها حاجز المئة، والوصول إلى المركز الـ51 ثم تراجعها في نهاية العام إلى الترتيب 77، ولكن هذا الإنجاز أدى إلى حصولها على لقب أبرز شخصية عربية، وحظيت بلقبها الحالي "وزيرة السعادة".
نجمة تونس تلمع في سماء اللعبة
شهد عام 2020 تحقيق أول إنجاز فعلي في تاريخها بعالم كرة المضرب، وتاريخ العرب كاملاً، بعدما نجحت في الوصول إلى دور الثمانية في بطولة أستراليا المفتوحة، وهي إحدى بطولات الغراند سلام الأربع الكبرى، ولكنها لم تتمكن من تخطيه آنذاك ثم حققت هذا الإنجاز مرة أخرى بعدما تمكنت من الوصول إلى الدور ذاته، ولكن في بطولة أخرى من بطولات الغراند سلام "ويمبلدون"، لتكون أول لاعبة عربية وأفريقية في التاريخ تصل إلى هذا الدور.
وكان هذا العام بمثابة الانطلاقة الحقيقية للتونسية أنس جابر بعدما نجحت في حصد أول ألقابها بدورة تنظمها الرابطة العالمية، وهي دورة برمنغهام من فئة الـ250 نقطة، وهو ما جعلها تختتم هذا العام، وهي في أفضل ترتيب لها منذ بدء مسيرتها الاحترافية، وهو المركز الـ31 عالمياً.
ثم توالت الإنجازات في تاريخ وزيرة السعادة في العام التالي عندما تُوجت بلقبها الثاني، وهو بطولة مدريد المفتوحة للأساتذة الذي يُعد اللقب الأفضل في تاريخها كاملاً، والذي تسبب في دخولها قائمة التوب 10 لكونه من البطولات ذات فئة الـ1000 نقطة، ونجحت في الوصول إلى المركز الثالث عالمياً ثم أنهت هذا العام بالمركز السابع.
ومع بداية عام 2022، أصبحت أنس جابر واحدة من أفضل لاعبات فردي السيدات، وأصبحت من أقوى المرشحات في جميع البطولات التي تدخل إليها، بعدما تمكنت من الوصول إلى نهائي ويمبلدون ثم نهائي أميركا المفتوحة، ولكنها خسرت كلا النهائيين، ولم تتمكن من حصد لقبها الأول في بطولات الغراند سلام الكبرى، إلا أنها وصلت إلى أعلى تصنيف عالمي لها عندما احتلت المركز الثاني.
عام الأحلام حطمه حلم الأمومة
وبينما كان يترقب العرب النسخة الأقوى من أنس جابر، وتحقيق الحلم الأكبر بالحصول على أحد بألقاب بطولات الغراند سلام، توالت الإخفاقات التي بدأت بإصابتها وانسحابها من نصف نهائي شتوتغارت، وهو ما حرمها من الدفاع عن لقبها في بطولة مدريد المفتوحة، وتسبب في تراجعها في الترتيب لتصل إلى المركز السادس، ولكنها عادت ونجحت في الوصول إلى ربع نهائي بطولة رولان غاروس للمرة الأولى في تاريخها وتاريخ العرب، إلا إنها لم تتمكن من تخطي هذا الدور، وودعت المسابقة، ثم حققت إنجاز العام الماضي بالوصول إلى نهائي ويمبلدون، وكانت آنذاك في كامل تألقها، ولكنها خسرت اللقب بمفاجأة كبيرة أمام التشيكية ماركيتا فوندروسوفا.
وعقب خسارة أنس هذا اللقب، نالت العديد من الانتقادات، خصوصاً أنها ظهرت بمستوى متدن للغاية وخسرت المباراة بمجموعتين نظيفتين، ولكنها كشفت حينذاك أنها كانت تتعرض لضغوط كبيرة في ظل وصولها إلى النهائي للعام الثاني على التوالي، وأن هناك أمراً آخرَ قد عرضها لضغط شديد، وهي أنها كانت قد استعدت للوفاء بوعدها لزوجها، والتوقف عن اللعب عند تحقيقها لقب الأول من الغراند سلام من أجل الحمل بولدها الأول، وهو ما لم يحدث.
وبالرغم من أن اللاعبة قد تمكنت من الحصول على لقبين إضافيين، وهما: (تشارلستون المفتوحة، نينغبو) إلا أن خسارة نهائي أكبر بطولات الغراند سلام للعام الثاني على التوالي، كان بمثابة الانهيار لأنس جابر بعدما بدأت عام 2024 بالخروج من الدور الثاني من بطولة أستراليا المفتوحة، ثم أعقبها الخروج من مختلف المسابقات من الأدوار الأولى بها، ثم انسحابها من بعض المسابقات مثل بطولة أميركا المفتوحة والماسترز وكذلك أولمبياد باريس وغيرها بسبب الإصابة، ما تسبب في تراجعها في التصنيف العالمي، لتخرج للمرة الأولى منذ عام 2022 من التوب 10، وتحتل المركز الـ17 الآن.
ويبقى السؤال: هل تتمكن وزيرة السعادة التونسية من العودة من جديد إلى بريقها في الأعوام الماضية، أم أن ضياع حلم الحصول على أحد ألقاب الغراند سلام، ومعها تأجل حلم الأمومة سوف يكون سبباً في استمرار خسارتها مزيداً من الألقاب، واختفائها تدريجياً من عالم المضرب؟