محمد يوسف
يقف تشافي هيرنانديز، المدير الفني لنادي برشلونة الإسباني، في مكانه وتدور الأحداث حوله، هو مركز الاهتمام من الصحافة والجمهور والمتابعين، في لحظة تنهال عليه عبارات الإشادة، وسرعان ما يهبط في القاع مع أول تعثر.
يفهم تشافي كرة القدم بأفكار ترجع إلى إرث الراحل يوهان كرويف، لكنّ الإخفاق يفتح الطريق أمام منتقديه للمطالبة بالتغيير، بينما الإدارة برئاسة خوان لابورتا تعتبره "مندل" عالم الوراثة ولكن في "كاتالونيا" لأنه يهتم بأسلوب DNA "لا مسيا" الخاص بأكاديمية النادي.
تختلط الأوراق داخل برشلونة، ويحل تشافي ضيفاً على موائد الصحف، فهو عنيد، وعصبي، ويستفز الحكام فيتعرض للإيقاف بسبب انفعاله، ويهاجم الصحافيين، ولا يكف عن الصراخ خلف خط الملعب أثناء المباريات.
لكن هو أيضاً ابن برشلونة الذي قضى عمره فيه كلاعب، ويفهم كيف تسير الأمور في الداخل، ويحافظ على الخلافات داخل الغرف المغلقة، ويتحمل الضغوط من الإدارة، ويحاول التأقلم مع الظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها "البلوغرانا".
تشافي مثل أي مدرب، له مميزات وعيوب، ولكن لماذا تصر الإدارة على عدم التخلي عنه رغم أنه أعلن الرحيل نهاية الموسم الحالي مكتفياً بالفترة التي قضاها داخل النادي ومن دون أن يثير أي أزمة بشأن عقده وما تبقى من أموال؟
يدرك لابورتا أنّ هناك أشياء تورط فيها تشافي، منها أنه لم يحصل على كل ما يريد قبل بداية الموسم، ففي لحظة انخفضت معنويات الإدارة في البحث عن لاعب وسط مدافع يدعم الاتزان داخل الملعب، وبدلاً من تعويض سيرجيو بوسكيتس بلاعب من الفئة الأولى جرى ضم أوريول روميو من جيرونا، وبعدها تغير كل شيء، لأنّ الأزمة الاقتصادية قالت كلمتها.
وجاء رحيل عثمان ديمبيلي الدرامي إلى باريس سان جيرمان ليتفاقم الوضع، لم يعد أمام تشافي إلا القبول بحل جواو فيلكيس الذي أعير من أتلتيكو مدريد بفضل العلاقة بين لابورتا ووكيل اللاعبين الشهير خورخي مينديز.
ولولا الحظ الذي شهد تألق لامين يامال، واكتسابه ثقة تشافي سريعاً لظهرت تلك الثغرة في صفوف الفريق، فمن غير المنطقي أن تكون الأكاديمية هي الحل الدائم لكل مركز شاغر، فخطط الدفع باللاعبين الصغار لا تخضع لقوانين الضرورة، لكنّ الوضع مختلف لدى "البلوغرانا" الذي يجد دائماً معظم ما يبحث عنه.
زاد الضغط على تشافي، ومن هنا ظهر السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لمدرب آخر العمل في بيئة المدرب الحالي نفسها لبرشلونة؟
لذا قرر لابورتا وبعض أعضاء الإدارة الضغط لعدم رحيل "زرقاء اليمامة"، لأنّ الموسم المقبل هو أيضاً فصل جديد من رواية "فن إدارة الفقر" التي تدور أحداثها منذ أزمة كورونا.
لن ترحل الأزمة الاقتصادية عن النادي إلا مع توفر الكثير من الإيرادات، ولن يقبل مدرب كبير خوض مغامرة في برشلونة، والمشكلات المالية تحيط به، لذا يجب أن تمر الأشياء في الظلام كي لا يلاحظها أحد، ويبقى تشافي مع أهمية الحصول على جزء مما يريد، على الأقل لاعب وسط مدافع من طراز كبير لأنّه الموسم المقبل قد تتفاقم الأزمة.
مع قدوم كيليان مبابي إلى ريال مدريد لن يكون من السهل فوز برشلونة بالألقاب إلا إذا ظهرت أنياب فريق قوي، ولكن مع انتشار الثغرات يتبدد الحلم، وتخرج الأحداث من سياقها، وبعض الأشياء ربما لا تستطيع الإدارة تمريرها في الظلام.