هاني سكر
في عام 2018 تولى كارلو أنشيلوتي تدريب نابولي وبعد موسم واحد انتقل لتدريب إيفرتون بخطوات توحي أن مسيرة الرجل قد اقتربت من النهاية ولم يعد له مكاناً بين الكبار، لكن في 2024 نجد أن كارليتو استعاد مكانه بين أفضل مدربي العالم من جديد فهو بطل دوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد قبل عامين والقريب من الفوز بالدوري الإسباني هذا الموسم، وأداء فريقه يدفع الجمهور للتفاؤل بإمكانية إقصاء مانشستر سيتي رغم عدم امتلاك ريال مدريد لرأس حربة صريح من العيار الأول هذا الموسم ومعاناة الفريق من إصابات عديدة.
الأمر لا يتعلق بأنشيلوتي وحده هنا فهو لم يغير الكثير بأسلوبه لكن الأمر يرتبط بالتغيرات المستمرة التي تحدث بعالم كرة القدم والتي تتسبب دائماً بإحداث موجة من التغيير ولطالما استعادت "موضة قديمة" حضورها من جديد لأن فلسفة الجديدة لم تعُد قادرة على التطور أكثر!
الأسبوع الماضي واجه مانشستر سيتي غوارديولا فريق أرسنال أرتيتا وانتظر الجميع حرباً من الأفكار الكروية بين مدربَين يُعرف عنهما إدمان التفاصيل والسعي دائماً للوقوف على الخط وتوجيه اللاعبين بطاقة انفجارية طوال اللقاء، لكن اللقاء لم يكُن ممتعاً من حيث الفرص ودفع الكثيرين للقول أن كرة القدم الحديثة باتت كرة قدم مملة إن كان اثنين من الفرق المتنافسة على لقب أغلى دوري بالعالم سيؤديان بهذا الشكل.
في الواقع مباراة سيتي وأرسنال كانت من نوعية المباريات التي لا يمكن أن تتوقف عن التركيز فيها فحين تدرك كيف يفكر المدربَين وكيف يرغب أي منهما بجرّ الخصم لإحداث ثغرة فإنك ستقدّر الكثير من العمل الدفاعي الذي قام به أرسنال وبالوقت ذاته سترى أن فريق بيب كان يؤدي أدوار الاستحواذ واستعادة الكرة بسرعة والتي من المفترض أن تمهد للتسجيل لكن صناعة الفرص بالثلث الأخير لم تكن بالشكل المطلوب أي أن القرارات التي تم اتخاذها بالجزء الأخير من الملعب لم تكن جيدة.
ناحية اتخاذ القرارات هذه تمثل الفارق الأساسي بين ما يُعرف بالمدرسة التقليدية والمدرسة الحديثة، فمدربون من نوعية غوارديولا وناغيلسمان وأرتيتا لا يحبون رؤية الكثير من الارتجال، يفضلون العودة دائماً للهجمة المرسومة والهدف الذي يأتي من سلسلة تمريرات سريعة أو تحركات تساعد على منح لاعب المساحة للتسجيل، وأشياء كهذه تسببت تدريجياً باختفاء مفهوم المهاجم الصريح لدى العديد من الأندية الكبرى والبحث عن لاعب يضغط جيداً على دفاع الخصم ويفتح المساحات لزملائه ويجيد الركض بالكرة أكثر من الالتحام مع دفاع الخصم.
لكن لأن المبالغة بالأفكار والتفاصيل قد تتسبب تدريجياً بالابتعاد عن الركائز الأساسية، وجد غوارديولا بعد سنوات أنه لا يمكن الاستغناء عن المهاجم القوي الذي يحتك بالمدافعين والقادر على جعل الفريق يتصرف وفق مفهوم لا يهم كم تمريرة سنلعب إن كنا قادرين على إرسال كرة عالية لهالاند كي يسجل منها، وليست مجرد صدفة أن يحقق مانشستر سيتي الثلاثية بأول موسم بعد ضم هالاند الذي كان الألماسة التي يحتاجها الفريق المليء بالجواهر لكن رغم ذلك بدا أن بيب يريد من هالاند أن يدخل أكثر بأفكاره وأسلوبه هذا الموسم.
وبالعودة لناحية اتخاذ القرارات، تحدث أنشيلوتي بتصريح العام الماضي أنه يؤمن بضرورة منح اللاعبين القدرة على اختيار القرار الأفضل وعدم تحويلهم إلى "روبوت" يتلقى فقط الأوامر وينفذها، وفي ذات اليوم الذي كان فيه العالم يتحدث عن عجز أرسنال وسيتي من إيجاد الحلول كان ريال مدريد يسجل هدفاً فيه عمل جماعي جميل ولو أن هذا العمل بدا كأنه فعلاً نتيجة اتخاذ قرارات صحيحة من لاعبين أكثر من أن يرتبط ببعض التوجيهات.
فضد أتلتيك بلباو انطلق رودريغو بالكرة ومنحه زملاءه مساحة للتسديد، بيلينغهام الذي كان بجوار رودريغو انطلق بسرعة نحو العمق ليربك ويسحب بعض المدافعين، دياز وقف عند قوس منطقة الجزاء ورفع يديه بإشارة لجاهزيته لاستقبال الكرة، وتواجد لاعبان من ريال مدريد على الأطراف بالتالي لم يعد من الممكن لدفاع بلباو أن يغفل عن باقي اللاعبين ويركز على رودريغو لوحده، ولو حاول الدفاع القيام بأي تصرف مبالغ به للضغط على البرازيلي فهذا سيعني ترك مساحة لدياز أو بيلينغهام، وبكل الأحوال سدد رودريغو صاحب القدم الممتازة وسجل الهدف الأول للفريق.
أشياء مثل المبالغة بالتفاصيل قد تكون المفتاح للعودة للشكل الكلاسيكي بالتدريب الذي يرتبط أكثر بمنح اللاعبين فرصة اختبار المواقف المختلفة لتعزيز قدرتهم على أخذ القرارات الصحيحة خلال سير المباراة، والملفت أننا سنشاهد بعد أيام مواجهة جديدة بين اثنين من قادة المدرستين الكلاسيكية والحديثة حين يلتقى غوارديولا مانشستر سيتي بأنشيلوتي ريال مدريد.
بالموسم الماضي نجح غوارديولا بتسيجل نتيجة كبيرة ضد أنشيلوتي الذي فاز عليه بالموسم الذي سبقه، ورغم أن النتائج قد لا تعكس دائماً حقيقة تفوق مدرب على آخر كون اللعبة لا تمثل علماً صحيحاً إضافة إلى اختلاف اللاعبين وظروف المباريات لكن سيكون من الجميل أن نتابع صراعاً كبيراً جديداً.