ليس ريال مدريد الإسباني، مانشستر سيتي الإنكليزي أو باريس سان جرمان الفرنسي. أفضل فريق في العالم - إحصائياً - قد لا تتعدى شهرته البلد القابع في آسيا الوسطى والمطلة على بحر قزوين، تركمنستان.
منذ تأسيسه العام الماضي، لم يتمكّن أي فريقٍ من إيقاف قطار نادي أركاداغ الذي سُميّ تيمّناً بالرئيس السابق قربان قولي بردي محمدوف، محققاً 36 انتصاراً محلياً متتالياً في سلسلةٍ لا تزال مستمرّة.
لم يخسر الفريق أي مباراة وتوّج بلقبي الدوري والكأس في موسمه الأوّل، وهو إنجازٌ لم يسبق أن تحقق في أي مكانٍ حول العالم.
لكن في تركمنستان، كان الطريق متوقعاً ربما بالنسبة إلى هذا النادي تحديداً.
الدولة الغنية بالرمال والمواد الهيدروكربونية هي واحدة من أكثر البلاد انغلاقاً في العالم وفقاً لجماعات حقوق الإنسان، وعائلة بردي محمدوف، الوالد قربان قولي ونجله الرئيس الحالي سردار، يبسطان سيطرة مطلقة على جميع جوانب المجتمع.
يُلقّب قربان قولي الذي حكم البلاد لـ15 عاماً بـ"أركاداغ"، أي البطل الحامي.
وعلى الرغم من تسليمه الرئاسة لسردار، يواصل قربان قولي الحكم إلى جانب نجله، ويتمتّع بامتيازات هائلة كرئيس لمجلس الشعب، كما كـ"زعيم وطني" وهو منصب حصل عليه من خلال "قانون دستوري" دخل حيّز التنفيذ في 21 كانون الثاني (يناير) 2023.
ويلعب نادي أركاداغ الذي سُمّي تكريماً للرئيس السابق، في ملعب أركاداغ في المدينة الجديدة التي تحمل الاسم عينه، وتدخل ضمن مشروعٍ ضخم شُيّد تكريماً له بتكلفةٍ رسميةٍ بقيمة 5 مليارات دولار.
في وسط المدينة، يوجد نصب تذكاري ذهبي يبلغ ارتفاعه 43 متراً يمثّل قربان قولي على صهوة حصانٍ فوق صخرة.
"الفوز بكل لقب"
على الرغم من إنجازه غير المسبوق، يُعاني نادي أركاداغ على صعيد جذب الجماهير.
نحو 200 مشجّع حضروا المباراتين الأخيرتين ضد أهال، بطل الموسم الماضي، وألتين أسير، حامل الرقم القياسي بعدد الألقاب (8) اللتين تابعتهما فرانس برس في الملعب الجديد الذي يتّسع لـ10 آلاف متفرّج، علماً أن التذاكر تُقدّم مجاناً.
مُتابعاً المباراة، لوّح المشجّع بيغينش موكادوف بوشاح النادي المزيّن بشعاره الرسمي، وهو عبارة عن شعار باللونين الأبيض والأزرق الجليدي، يتوسّطه حصان أخال تيكي الأبيض، وهو رمزٌ وطني تركماني.
يقول موكادوف (18 عاماً) الذي يعمل في شركة إنشاءات "أركاداغ سيفوز حتماً بكل لقبٍ هذا الموسم. أنا سعيد بتأسيس فريقٍ لا يُقهر وبأن كرة القدم أصبحت مثيرةً للاهتمام".
بدوره، يقول شاغليلدي سويوف (34 عاماً) ويعمل موظفاً حكومياً إنه "يتابع جميع مباريات أركاداغ عن كثب" ويحبّ "طريقة لعب (الفريق) الديناميكية".
بعد الفوز بلقبي الدوري والكأس في العام الماضي، قدّم قربان قولي صورة للاعبين، لنجله سردار وهو يوقّع على كرة تحمل شعار النادي.
هديةٌ "تلقاها (اللاعبون) بفخرٍ كبيرٍ وامتنانٍ عميق"، وفقاً لوسائل الإعلام المحلية الحكومية التي يُمارِس عليها النظام رقابة شديدة.
قال ديدار دوردييف، هداف البطولة للعام الثاني على التوالي لوكالة فرانس برس "التقى (قربان قولي) الفريق وهنأنا على الانتصارات الجديدة".
بعد تسجيله 83 هدفاً في 24 مباراة ضمن الدوري خلال الموسم الماضي، واصل أركاداغ نجاعته الهجومية الخارقة وسجّل 25 هدفاً في 5 مبارياتٍ هذا الموسم.
يقول دوردييف "نشعر بدعم البطل الحامي المحترم قربان قولي بردي محمدوف".
هزائم خفيّة
أزالت السلطات الرياضية المراجع التي تُشكّك في حالة أركاداغ كقوة كرويّة خارقة.
لا يوجد أي أثر على موقع الاتحاد التركماني لكرة القدم لخسارتين للفريق أمام شاختار دانيتسك ودنبيرو الأوكرانيين بنتيجتي 0-1 ضمن مباراتين وديتين في شباط/فبراير الماضي.
أمرٌ ليس مستغرباً في بلدٍ تخضع فيه المعلومات لرقابةٍ شديدة، خاصةً حين يتعلّق الأمر بنادٍ تأسّس تكريماً لأب الأمّة الذي لا يُشكك فيه.
وسيواجه الفريق الخارق أكبر تحدٍ له حين يشارك في دوري أبطال آسيا 2، وهي الثانية على مستوى بطولات الاتحاد الآسيوي للعبة وتماثل الدوري الأوروبي "يوروبا ليغ".
وعلى عكس باقي البلاد في آسيا الوسطى، لم تكن تركمنستان يوماً أمةً كرويّة ولم تترك أية بصمة على الساحة العالمية، على الرغم من الدعم المالي الكبير من الحكومة من مبيعات احتياطياتها الهائلة من النفط والغاز.
ولم يفز المنتخب الوطني، وعماده من لاعبي أركاداغ، بأية مباراة منذ حزيران (يونيو) 2022.
وتتخبّط تركمنستان في مراكز متراجعة ضمن تصنيف المنتخبات الذي يصدر عن الاتحاد الدولي (فيفا)، إذ تحتل المركز 143 من 210.
لكن يقول المسؤولون إنهم غير قلقين ويأملون بأن يؤدّي نجاح أركاداغ إلى تحوّل في اللعبة.
يقول مسؤول في اللجنة الرياضية الحكومية لفرانس برس اشترط عدم الكشف عن اسمه "من الجيّد أن اللاعبين يعرفون بعضهم البعض"، مضيفاً "هذا يُعزّز الروح المعنوية لتحقيق الانتصارات".