يترقّب عشاق ريال مدريد انتقال كيليان مبابي إلى صفوف الفريق مع بداية الموسم المقبل، لكن انتقال النجم الفرنسي لا يأتي بظروف مشابهة لانتقال رونالدو 2009، وبدء "غلاكتيكوس" جديد حينها، فوضعية "الميرينغي" حالياً تبدو أقرب للمثالية. فالفريق تُوّج مؤخّراً بلقب الدوري بأريحية كبيرة، وهو على بعد مباراة واحدة من الفوز بلقب دوري الأبطال للمرّة الثانية في آخر 3 مواسم والسادسة في آخر 11 موسماً.
في بداية هذا الموسم كان هناك سؤال رئيسي بالنسبة لعشاق ريال مدريد وهو: كيف سيلعب الفريق من دون مهاجم صريح على أرض الملعب؟ في ظل اقتناع الجميع أنّ خوسيلو لن ينال مكاناً ثابتاً في تشكيلة الفريق، لكن أفكار أنشيلوتي وأسلوبه ساعدا على خلق وضعية هجومية مناسبة، بفضل التألّق الرهيب لثنائية فينيسيوس ورودريغو ومن خلفهما جود بيلينغهام، الذي كان المفتاح الأساس للنجاح خلال النصف الأول من الموسم.
لكن بعد أن اعتاد الفريق على هذه الوضعية، هل سيكون من السهل على اللاعبين داخلياً استقبال فكرة وجود نجم يفوقهم شأناً من حيث الراتب واهتمام وسائل الإعلام؟ بخاصة أنّ مبابي سيأتي لأخذ الدور المحوري بالهجوم، وفي الغالب سيكون رأس حربة الفريق، بحسب ما تتحدث الصحف مؤخّراً، ما يعني تغييراً في التركيبة الهجومية، وإن كان الجميع يرى بشكل منطقي أنّ الفريق سيضمّ 3 متخصصين سريعين بالهجوم، فلا بدّ في الوقت نفسه أن ننظر للعديد من العوامل الثانية.
لن تكون هذه المرّة الأولى التي يلعب فيها مبابي ضمن ثلاثي هجومي خارق، فهذا ما عاشه في سان جيرمان عندما تواجد رفقة ميسي ونيمار سوياً لموسمين، وحين تواجد مع نيمار والعديد من المهاجمين المميزين الآخرين لستة مواسم، لكن الفريق لم يحصد أي شيء رغم هذه القوة الهجومية الضاربة، وبالتأكيد لا يمكن تحميل المهاجمين مسؤولية هذا الإخفاق لوحدهم، لكن أحلام الفوز بكل شيء مع ثلاثي بهذه القوة لم تتحقق، والأسوأ أنّ الصحف كانت تتحدث عن عدم رضا مبابي على هذه التنافسية بالخط الأمامي، وكان دائماً يريد أن يكون كعبه هو الأعلى بالنسبة للإدارة، حتى أنّ الصحف لم تتردّد بالحديث عن أنّ مبابي كان هو من طلب التخلي عن نيمار.
جمع 3 نجوم بالخط الأمامي نجح سابقاً مع ريال مدريد في ثلاثية "بي بي سي"، حين تواجد رونالدو وبيل وبنزيمة سوياً، لكن بنزيمة حينها كان يضحّي بدوره ويقبل أن يلعب دور مهاجم الظل الذي يستلم الكرات ويحاول فتح المساحات لزملائه، لكن إن تواجد مبابي بعمق هجوم ريال مدريد فبالتأكيد لن يقوم بهذا الدور لصالح فيني ورودريغو، وإن كان هناك أي شخص بين هذا الثلاثي يقبل التنازل والقيام بهذا الدور فهو حتماً رودريغو الذي دائماً ما تبدو شخصيته أكثر هدوءاً وسعياً لخدمة الفريق، لكن لا يمكن لهذا الأمر أن يتمّ، لأنّ كلاً من مبابي وفيني حينها سيحتاجان للعب على الجهة اليسرى، ولن يكون من السهل على أي منهما أن يذهب لليمنى.
وبمثال آخر على سعي بيريز لبناء قوة هجومية ضاربة، يمكن أن نتذكر استقدام رونالدو ليلعب بجانب فيغو وأمام زيدان في ريال مدريد بعد تحقيق لقب الأبطال في 2022، لكن سرعان ما فشلت الثلاثية الحلم، التي أصبحت رباعية لاحقاً بانتقال بيكهام، لأنّ الفريق فَقَد توازنه الدفاعي تحديداً بعد خروج ماكيليلي وعدم تعويضه بلاعب مناسب.
ثلاثية ميسي ونيمار وسواريز كانت نموذجاً لبناء ثلاثية ناجحة من 3 نجوم في الأمام، وحتى دور التهديف كان موزعاً بشكل كبير بين الثلاثة. ونتذكر جيداً أنّ نيمار كان قد شارك ميسي ورونالدو بلقب هداف دوري الأبطال في موسم 2014\2015 كما ساعد ميسي سواريز للفوز بالحذاء الذهبي كأفضل مسجّل في الدوريات الأوروبية 2015\2016. لكن ما يمكن أن يكون مقلقاً بثلاثية ريال مدريد الجديدة هو الحدّ المرتفع للشعور بالنجومية الذي اعتاد عليه مبابي في سان جيرمان. فهو اللاعب الذي يلتقي برئيس الدولة، وهو النجم الذي يدفع النادي للموافقة على شروط غريبة كي يجدد عقده لسنتين، وهو الآمر الناهي داخل وخارج الملعب بحسب ما كانت تقول الصحف. فبعد كل هذا النفوذ، هل سيتقبل مبابي فكرة أن يكون نجماً بين مجموعة من النجوم ويتعاون بشكل أكبر معهم؟
في 2017 أراد ريال مدريد ضمّ مبابي من موناكو، لكن المتطلبات المادية الكبيرة دفعت بيريز للتوقف عن المفاوضات، حيث كان قلقاً على توازن سلم الرواتب في النادي، ويعلم جيداً أنّ استقدامه بوجود نجوم مثل رونالدو وراموس وبنزيمة وبيل ومودريتش وكروس، ومنحه راتباً مرتفعاً، سيدفع كل النجوم بالتأكيد لطلب زيادة بالراتب، وهو ما سيمثل مشكلة كبيرة، لذا تراجع بيريز عن هذه الخطوة من أجل المجموعة، لكنه يتجّه حالياً لحسم الصفقة ومنح اللاعب الراتب الأعلى بعد خروج رونالدو وراموس وبنزيمة وبيل وفاران، وقرب انتهاء رحلة مودريتش وكروس مع الفريق، بالتالي قرب انتهاء عهد الجيل القديم في ريال مدريد.
هذا مؤشر إضافي إلى أنّ مبابي سيحمل دور قائد الهجوم. لكن المشكلة هي أنّ الفريق اعتاد على الجماعية العالية تحديداً هذا الموسم، إضافة لنقطة أخرى هي أنّه في عهد بنزيمة مثلاً كان فيني يتواجد في المقدمة للمرتدات وبنزيمة هو من ينزل للخلف، لكن حالياً يحتاج الأمر لكثير من العمل لضمان ألّا يؤدي تواجدهما سوياً لكسر الخلل الدفاعي، بخاصة أنّ بيلينغهام كان قد اعتاد على أدوار هجومية أكثر، وهو ما لن يحصل عليه بظل هذا الشكل.
إضافة إلى كل ذلك، تظهر مشكلة إضافية، وهي أنّ رودريغو يفقد جزءاً كبيراً من خطورته حين يلعب على الجهة اليمنى، فاللاعب يفضّل بشكل واضح التواجد على اليسار، لكن الفريق لا يملك أن يلعب بـ3 أجنحة لجهة واحدة بوجود فيني ومبابي، وهذا ما قد يدفعنا للتفكير بأنّ بيريز قد يفكر بالتخلّي عن رودريغو وكسب مبلغ كبير من المال قد يصل غالباً إلى 100 مليون يورو، وهذا سيكون أفضل من أن يفقد اللاعب تألقه تدريجياً ويصبح غير مفيد للفريق وغير مفيد حتى في السوق.
يبدو فيني مرشحاً حالياً لأخذ دور مهمّ في سباق الكرة الذهبية هذا العام، حاله حال بيلينغهام بعد موسم قوي جداً للثنائي، لكن حين تأتي فترة نهاية العام التي ينال فيها اللاعبون الجوائز الفردية، سيكون هناك نجم آخر يحظى بالاهتمام أكثر منهما في ريال مدريد، وإن كان فيني قد أبدى تعاوناً مع رودريغو، فمن غير الواضح بعد ما إذا كانت شخصيته التي تتأثر بسهولة نفسياً من أي حدث، قادرة على استيعاب قدوم لاعب يريد النجومية بجانبه.
في المجمل، تبقى فكرة جمع هؤلاء اللاعبين على الورق عظيمة جداً، بخاصة مع وجود أسماء شابة مثل إندريك وغولير على الدكة، ما يعني تشكيل الريال لقوة ضاربة هجومياً، ومن المهم جداً بقاء أنشيلوتي الذي يعرف عادة كيف يكسب الجميع حوله، لكن لطالما كانت التفاصيل والمنافسة الداخلية سبباً بفقدان توازن الفرق الكبيرة، وهو ما يحتاج ريال مدريد للحذر منه مع بدء التحضيرات لبدء فترة مبابي مع ناديه الجديد.