هاني سكر
يمثل المنتخب الفرنسي أحد أبرز المرشحين للفوز بأمم أوروبا هذا الصيف، في ظل القائمة المتكاملة التي تشهد على وجود كمّ هائل من النجوم في مختلف المراكز، ولو أن هذا الأمر لم يعُد جديداً بالنسبة للفرنسيين الذين يعيشون فترة ذهبية منذ كأس العالم 2018، ولو أن ديشامب يعرف جيداً أن الديوك لا بدّ أن يفوزوا بأكبر عدد ممكن من الألقاب لاستثمار هذا الجيل.
لو نظرنا لتاريخ منتخب فرنسا في أمم أوروبا، سنجد أنه يتأخّر عن أفضل حاملين للقب ألمانيا وإسبانيا بفارق لقب واحد فقط، حيث فاز بنسختي 1984 و2000. لكن الملفت هو أنه على مرّ تاريخه وصل لنصف النهائي 4 مرّات فقط وغاب عن البطولة 6 مرات من أصل 16 نسخة ماضية، أي أنه شارك في 10 فقط.
يمكن القول إن معظم مشاركات فرنسا الماضية كان عنوانها إما النجاح الكامل والفوز باللقب أو الفشل الصادم والذريع، حيث حلّ الفرنسيون في المركز الرابع والأخير في النسخة الأولى 1960، وبعد غياب استمر 24 عاماً عن البطولة شاركوا للمرّة الثانية بالنسخة التي استضافوها عام 1984 وفازوا باللقب، بعدما ربحوا جميع مبارياتهم الـ5 في البطولة.
والصدمة كانت أن حامل اللقب لم يتأهّل للنسخة التالية عام 1988 قبل أن يغادر دور المجموعات في 1992، وفي 1996 كان الاستثناء ربما بواحدة من المرّات القليلة التي لا يمكن القول فيها إنّ الفرنسيين فشلوا ولو أنّهم أيضاً لم ينجحوا، فالتشكيلة التي فازت في مونديال 1998 اصطدمت بحاجز التشيك، وودّعت البطولة بنصف النهائي، قبل أن تستعيد هذه الأسماء طريق النجاح وتفوز بلقب 2000، بعد سيناريو درامي ضدّ الطليان في النهائي، ليجمع الديوك بين لقبي كأس العالم وأمم أوروبا.
في 2004 دخل المنتخب الفرنسي كمرشح فوق العادة للفوز باللقب، فصدمة غياب زيدان عن مونديال 2002 مُسحت بعودته للمنتخب، ليلعب بجانب هنري وتريزيغيه وماكيليلي وديسايي وفريق من النجوم الكبار، لكن مرّة أخرى أحيطت المشاركة بأحداث غريبة أهمها ما حدث قبل البطولة، حين تمّ الإعلان عن توقيع المدرب جاك سانتيني على عقد إشرافه على توتنهام من بعد نهاية البطولة، أما الحصيلة النهائية فكانت أداءً غير مقنع وخروجاً من اليونان في الدور الثاني.
الإحباط استمر بالخروج من الدور الأول في 2008 ثم الدور الثاني 2012، وفي 2016 استضاف الفرنسيون البطولة، وبدا أن كل شيء يسير بشكل جيد حتى الوصول للنهائي، الذي أضاع فيه غريزمان وزملاؤه مباراة في المتناول، بعد إصابة رونالدو وفقدان البرتغال النجم الأهم، لكن تسديدة إيدير أوقفت أحلام الفرنسيين ووضعت ديشامب تحت الضغط، لأن خسارة نهائي بهذا الشكل وفي باريس بدا فشلاً في عيون الصحافة الفرنسية.
الصدمة استمرت في النسخة الماضية، وبعدما كان المنتخب الفرنسي هو المرشح الأبرز للفوز باللقب جاءت المفاجأة الكبرى بالخسارة من سويسرا في دور الـ16 بركلات الترجيح، ليودّع الفرنسيون البطولة بعد أداء دون المستوى.
القائمة الحالية تضمّ أسماء تجعلنا قادرين على القول إن مبدأ "إما كل شيء أو لا شيء" ينطبق على النسخة الحالية، فلا بدّ للفرنسيين أن يفكّوا عقدتهم مع اللقب بهذه النسخة، واستثمار وجود مبابي وغريزمان وديمبيلي وكولو مواني وتورام وباركولا وكومان وجيرو في الأمام، وتشواميني وكانتي ورابيو وكامافينغا في الوسط، مع خيارات دفاعية رهيبة قادمة من أبرز أندية أوروبا مثل بافارد (إنتر) وكوناتي (ليفربول) وهيرنانديز (ميلان) وساليبا (أرسنال) وميندي (ريال مدريد) إلى جانب أوباميكانو (بايرن) الذي يقدّم أداء في المنتخب أعلى مما يقدّمه في النادي دائماً.
اكتفى ديشامب باستدعاء 25 لاعباً لأمم أوروبا، لكن القيمة السوقية لهؤلاء اللاعبين هي 1.25 مليار يورو بمعدل يقارب 50 مليون يورو لكل لاعب، والمنتخب الوحيد الذي يتجاوز هذا المعدل هو الإنكليزي الذي تجاوز حدّ 52 مليون يورو للاعبيه في الوسط. ولنتخيّل أن القيمة المرتفعة للاعبين تتوزع على جميع خطوط الملعب، فبحسب "ترانسفرماركت" تقدّر القيمة السوقية لمبابي حالياً بـ180 مليون يورو مقابل 65 مليون يورو لكومان و60 مليوناً لكل من ماركوس تورام وراندال كولو مواني، أما في الوسط تتساوى القيمة السوقية لكامافينغا مع زميله بريال مدريد تشواميني، 90 مليون يورو لكل لاعب، في حين يتصدّر ساليبا أرقام المدافعين بـ80 مليون يورو.
فاز ديشامب بلقب أمم أوروبا لاعباً عام 2000، لكن رحلته مدرباً للديوك منذ 2012 لم تشهد تتويجاً أوروبياً لحدّ الآن، بانتظار ما إذا كانت الأراضي الألمانية ستشهد كتابته للتاريخ من جديد.