قبل عامين جلست الطفلة المصرية نورسين عمرو للمرة الأولى أمام والدها وبينهما رقعة الشطرنج، كانت هذه هي بداية انطلاقتها في اللعبة التي تُوّجت أخيراً بالتصنيف في المركز الثالث عالمياً في فئتها العمرية، من الاتحادين الدولي والإفريقي.
تفوقت نورسين في لعبة الملوك بعدما تلقت دروسها الأولى على يد والدها الدكتور عمرو عبيد، قبل أن تلتحق بأكاديمية خاصة، ثم تخوض غمار المسابقات المحلية، وتفوز في مباراة تلو الأخرى حتى حصدت التصنيف الدولي، كأول طفلة مصرية تحقق هذا الإنجاز.
تصنيف نورسين الثالثة عالمياً بموقع الاتحاد الدولي للشطرنج
"مجرد لعبة جميلة"
عندما تعلمت نورسين (10 سنوات) اللعبة أول الأمر، لم تكن تطمح إلى ما وصلت إليه الآن، تقول لــ"النهار العربي": "كانت مُجرد لعبة جميلة ومفيدة في البداية، وبعدها أدركت أنها تجعلني متميزة ومختلفة عن غيري، ثم تحول الأمر إلى حلم بالفوز بالبطولات محلياً ثم قارياً وبعدها عالمياً بإذن الله".
وعن مسارها في اللعبة، تشير إلى أنه في غضون أشهر قليلة من انضمامها إلى أكاديمية طنطا (محافظة الغربية شمالي مصر)، نجحت في تحقيق الفوز خلال مباريات صعبة في مواجهة أطفال أكبر منها.
بعد ذلك، التحقت بأكاديمية البطل العالمي الغراند ماستر أحمد عدلي؛ حيث وضعها على طريق سريع نحو مزيد من التطور والتفوق، على ما تقول. "بدأت أفوز على لاعبين شباب ورجال أكبر مني، وأعلى في التصنيف الدولي بكثير".
وعن المرة الأولى التي فازت فيها على والدها، تقول: "بالنسبة لوالدي، كان من الصعب الفوز عليه في البداية، لكن بعد عام تقريباً لعبت معه مباراة قوية، وكدت أفوز عليه باعترافه، ثم يُمكن القول بأني نجحت في التعادل معه، ثم الفوز عليه بعد عامين تقريباً من بداية تعلمي الشطرنج".
تغلبت نورسين على لاعبين أكبر منها سناً وأعلى تصنيفاً
طريق الاحتراف
تقول نورسين إن "لعبة الشطرنج تعتمد على الذكاء وسرعة البديهة والتركيز، وتُحسّنهم وتطورهم أيضاً، كما تزيد ثقة الإنسان في نفسه وقدرته على التفكير والتخطيط، ويمكن الاستمرار في ممارستها بإذن الله طوال عمري".
ومتى شعرت بوصولك لمرحلة الاحتراف؟ تقول: "في البطولة الأولى التي شاركت بها، بعد عام تقريباً من بداية تعلمي اللعبة؛ لأني فوجئت بعدد كبير من المشاركين والأبطال، وأدركت مدى صعوبة المنافسة، وعندما حققت الفوز الأول، بدأ الجميع يهتمون بي ويتابعون نتائجي".
وتلفت إلى أنّ المنافسة التي لا تنساها أبداً كانت في بطولة كرنفال محافظة الغربية، كونها كانت أول وأكبر بطولة تشارك فيها، وضمّت أبطالاً من مختلف المحافظات المصرية، بينهم كبار المصنفين. كانت حينها نورسين أصغر المشاركات، والمثير أن أول مباراة تفوز بها في هذه البطولة كانت أمام مُهندس عمره 30 عاماً.
تقول: "حينها اهتم بمتابعتي محافظ الغربية، الذي لم يصدق أني قادرة على الفوز بالمباراة عندما أخبرته بذلك. وبعدها شاركت في بطولة الجمهورية المفتوحة التي نظمتها المحافظة أيضاً، وبدأ اسمي يلفت الانتباه".
بعد النتائج اللافتة التي حققتها نورسين عمرو، تطمح في التتويج ببطولة مصر وإفريقيا، والعالم بعد ذلك. "أتمنى أن أكون أصغر فتاة في العالم تحصل على لقب أستاذ دولي كبير".
حظيت نورسين عمرو بعدد من التكريمات والجوائز المحلية
رعاية أسرية
عن السبب الذي دفعه إلى تشجيع ابنته على تعلّم اللعبة، يقول الدكتور عمرو عبيد لــ"النهار العربي" إنه لعب الشطرنج في مراحل الطفولة والصبا والشباب، وأدرك "قيمتها الذهنية والنفسية وقدرتها على تغيير شخصية من يمارسها ويتقنها، إذ تساعدك على أن تكون متميزاً وتُعلمك كيفية التخطيط والتعامل مع الضغوط".
ويضيف: "رغم أني لم أخترها لنور، بل هي من توجهت إليها بالصدفة، إلا أن الأمر وجد صدى كبيراً عندي، حينها ساعدتها فقط في خطواتها الأولى، بالبحث عن أماكن محترفة لتعليمها وتطويرها في اللعبة، وربما لم أتخيل أنها ستتخذ مساراً احترافياً حقيقياً، لكن رغبتها الشخصية وإصرارها على الاستمرار والتحدي رغم صغر سنها، دفعاني للإيمان بأنها قادرة على مواصلة الطريق بإذن الله".
ميداليات حققتها نورسين في مسيرتها الصغيرة
لم يخشَ عبيد من تضرر مسار نورسين الدراسي، إذ يقول إن "اللعبة فجّرت كثيراً من مواهبها الأخرى، لدرجة إصرارها على خوض مسابقة تحدي القراءة العربية، ومنافسات فرسان القراءة المصرية، وسط تداخل بطولات الشطرنج وتدريباتها، بجانب دراستها. الحقيقة أنها تُبهرني بمواهبها وقدراتها وعشقها للتفوق والنجاح والتميز، بفضل الله وحده، وانعكس ذلك كله على تفوقها الدراسي وتميزها بين زملائها".
يشير الأب إلى أن "نورسين تتمنى مواجهة بطل العالم ماغنوس كارلسن في يوم من الأيام والفوز عليه"، لافتاً إلى أن هدفها المقبل هو "تحقيق أفضل نتائج، وحصد أفضل مركز ممكن في كأس العالم بجورجيا" من 22 حزيران (يونيو) إلى 2 تموز (يوليو) المقبلين.
ويختم عبيد: "أبذل قصارى جهدي لتوفير فرص التدريب القوية لها، ودعمها بكل الوسائل المتاحة، خاصة على المستوى النفسي، كما تقوم والدتها بتنظيم جدولها وتشجيعها على تحمل التدريب، لأنها لا تزال طفلة صغيرة في نهاية الأمر".