محمد يوسف
تذهب الأرجنتين إلى "كوبا أميركا" ولديها شعور بالامتلاء بعد وجبة دسمة التهمتها باعتبارها حاملة لقب النسخة الماضية في البرازيل، بالإضافة إلى الفوز بلقب كأس العالم 2022 التي أقيمت في قطر.
افتقدت الأرجنتين هذا الشعور، ففي السنوات الماضية، كان كثير من الأجيال محل انتقاد، لكن أخيراً استطاع القائد ليونيل ميسي قول كلمته، وأعاد أمجاد الراحل دييغو أرماندو مارادونا وحقق المونديال الغائب منذ سنوات طويلة.
يذهب ميسي ورفاقة إلى نسخة "الولايات المتحدة الأميركية" وهو على قمة العالم، وخلف رأسه قرص الشمس الذي يزين علم بلاده، حين أشرقت في البرازيل بتحقيق لقب "كوبا أميركا" في ملعب ماراكانا الشهير وتوهجت أمام فرنسا في المونديال.
للمرّة الأولى تذهب الأرجنتين إلى بطولة ولا توجد ضغوط عليها، يلعب ميسي في الولايات المتحدة مع إنتر ميامي، فيعرف الأجواء جيداً، وتعيش "بلاد التانغو" رقصة نشوة بالانتصار لم يسبق أن مرّت عليها منذ سنوات طويلة، كأنها ظاهرة طبيعية لا تتحقق إلّا كل نصف قرن.
أرادت كرة القدم أن تمنح ميسي شيئاً ما مع بلاده بعيداً من أمجاد برشلونة، وترفع عنه الاتهام المستمر بالتخاذل والفشل في تقديم إنجاز تفخر به الأرجنتين، قد يكون الوقت متأخّراً، لكن أن تضع قدماً لحظة تحرّك القطار أفضل من أن تفقد لذة خوض الرحلة.
شعر ميسي أن مونديال قطر قد يكون الفرصة الأخيرة كي يحقق المجد، لأن الانتظار لنسخة 2026 قد لا يتحقق لأن جسده يقاوم علامات تقدّم العمر، وربما اللعب في إنتر ميامي الآن قد خفف من حدّة الشعور المستمر بالضغط، ما يمنحه فرصة التأمّل أكثر في كرة القدم وتقديم شيء ممتع لبلاده، حتى لو لم يحقق اللقب.
يخوض ميسي "كوبا أميركا" وفي تاريخه 8 كرات ذهبية، تدل إلى أنه الأفضل في العالم على الإطلاق وبمسافة بعيدة من أقرب ملاحقيه، ربما تعجز الصفحات عن وصف ليو، لكن الحقائق تضرب بجذورها في الأرض وتؤكّد براعته.
خاض ميسي 34 مباراة في "كوبا أميركا"، سجّل خلالها 13 هدفاً وصنع 17، وتلقّى 3 بطاقات صفراء، وتعرّض للطرد مرّة وحيدة.
أدارت الكرة ظهرها لميسي مرّتين في نسختي "كوبا أميركا" 2015 و2016، حين خسر في المباراة النهائية بنفس الطريقة أمام منافس واحد تشيلي بركلات الترجيح، ووقتها قرّر ميسي الابتعاد عن بلاده باعتباره المسؤول عن عدم التتويج، لا سيما أن نيران الانتقادات اندلعت واتهامات التخاذل لاحقته.
وقبلها، مرّ ميسي بحدث قاسٍ حين خسر المباراة النهائية في كأس العالم 2014 أمام ألمانيا، ووقتها شعر ليونيل أن الحياة تضغط عليه، لأن كرة القدم التي يمارسها في برشلونة تختلف عمّا يمرّ فيه في الأرجنتين.
الأحداث الجسيمة التي مرّ فيها ميسي كافية أن تصيب الصغار بالشيب المبكر، حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه والتصريحات القادمة من بلاده بتخاذله، وفشله في القيادة، دفعته لإعلان الاعتزال الدولي، وحتى مع هذا القرار خرجت الاتهامات تلاحقه بالهروب من الميدان، بعدما تسبّب في خسائر فادحة خلال المعارك.
هذا الشريط الطويل من السنوات الذي بدأ بالإخفاق وانتهى بأيام من اللبن والعسل، تضع ميسي أمام مسؤولية، أنه سيواصل القتال، حتى وإن كان يدرك أن بلاده تعيش على ذكريات سعيدة قد تغفر له أي إخفاق في نسخة "كوبا أميركا" في الولايات المتحدة.
وتخوض الأرجنتين مواجهة "كوبا أميركا" ولديها سؤال لا تريد التفكير في إجابته، عن مرحلة ما بعد ميسي، وطبيعة النجم الذي ستنجبه البلاد كي يحمل الشارة من بعده، في الوقت الذي لا يوجد أي موهبة في الجيل الحالي يمكنها أن تؤدّي نفس الدور.
لا يمكن أن يتحوّل لاعب عادي إلى أسطورة بين ليلة وضحاها، وتحتاج الأرجنتين إلى عمل شاق كي تصنع جيلاً آخر يمكنه المنافسة على الألقاب، لكن حتى هذه اللحظة، تعيش بوينوس أيرس على مجد ليو، وتنتشر الأعمال الفنية على الجدران عن ميسي والأرجنتين ومارادونا، والخيط الرفيع الذي استطاع ليو ربطه بين الآباء والأجداد.
تركت كرة القدم إرثاً من الخيال لشعب خرج من منزله لاستقبال جيل ميسي وهو عائد بالطائرة ويحمل معه كأس العالم، كان في السابق لا يقبل أنصاف الحلول إذا تعلّق الأمر بالمنتخب، الآن تبدو جرعة المجد تجري في العروق ولا يزال العشاق تحت تأثيرها.
ميسي في كوبا أميركا
لعب: 34 مباراة
سجل: 13 هدفاً
صنع: 17 هدفاً
خاض: 2907 دقائق لعب
إنذارات: 3 بطاقات
طرد: مرّة وحيدة