في غضون موسمين، تحوّل مدرب بوسطن سلتيكس الشاب جو مازولا من شخص مجهول لعشاق كرة السلة إلى بطل للدوري الأميركي للمحترفين "أن بي ايه"، وهو انتصار لابن الـ 35 عاماً الذي يعشق دراسة النظريات والأفكار والاساليب الكروية لمدرّب كرة القدم الإسباني بيب غوارديولا.
"جو (مازولا) عبقري كرة السلة"، هكذا وصف صانع اللعب ديريك وايت مدربه بعد المباراة الثالثة من سلسلة النهائي التي حسمها سلتيكس بمواجهة دالاس مافريكس 4-1.
وقبل بلوغه سن الـ 36 عاماً في 30 حزيران/يونيو الجاري، تمكّن مازولا من بناء فريق عالي الجودة سحق منافسيه في الدوري، بداية خلال الموسم المنتظم مع أفضل سجل برصيد 64 فوزاً مقابل 18 هزيمة ليتربع على صدارة المنطقة الشرقية، ثم خلال الأدوار الإقصائية "بلاي أوف" محققاً 16 انتصاراً مقابل ثلاث هزائم فقط.
بات اللاعب السابق في جامعة فرجينيا الغربية والذي انتقل إلى عالم التدريب فور تخرجه من الكلية عام 2011، ثاني أصغر مدرّب يتوج بطلاً في التاريخ، أكثر بأشهر قليلة من الأسطورة بيل راسل الذي نال هذا الشرف كلاعب ومدرب مع سلتيكس أيضاً في عام 1967.
فاجأ النادي التاريخي لولاية ماساشوستس في خريف عام 2022 جماهيره بمنحه الثقة لهذا الشاب الذي انضم إلى طاقم الفريق كمساعد مدرب في عام 2019 حين تمت الاطاحة بالمدرب النيجيري الأصل إيمي أودوكا الذي كان قاده إلى نهائيات "أن بي آيه" عام 2022 حين خسر أمام غولدن ستايت ووريرز، بسبب ارتباطه بعلاقة مع احدى الموظفات في النادي.
وبعد تثبيته في منصبه كمدرّب رئيس اثر بضعة أشهر من وصوله إلى النادي، فرض مازولا رؤية لعبه وأساليب تدريب جديدة، وقد نالت هذه الخطوات استحسان لاعبيه، حتى أكبرهم سناً وأبرزهم آل هورفورد الذي يكبر مدربه بعامين.
"تأثير" غوارديولا
أوضح مازولا لموقع "ذي أثلتيك" في بداية العام "الجزء المفضّل لديّ من العمل هو رؤية أسلوب اللعب بعين الفنان. إعطاء اللاعبين لوحة بيضاء مليئة بالاحتمالات. دعونا نستكشفها معاً!".
يُبدي هذا المدرّب الذي يدرس مفاهيم كرة السلة إعجابه بأفكار عظيم آخر في الرياضة العالمية، وهو المدرب الإسباني غوارديولا الذي حقق إنجازات مدوية مع برشلونة وبايرن ميونيخ الألماني وأخيراً مانشستر سيتي الانكليزي منذ عام 2016، والذي تابع من أرض ملعب "تي دي غاردن" المباراة الأولى في السلسلة النهائية.
قال مازولا "أدرس مانشستر سيتي وبيب كثيراً، وأعتقد أنه أفضل مدرب في العالم، في جميع الألعاب الرياضية وعلى جميع المستويات. يملك تأثيراً كبيراً عليّ".
تابع "لقد طوّرنا علاقة رائعة. أتمنى أن أقول إننا نجعل بعضنا البعض أفضل. لقد ساعدني كثيراً في إدارة المساحات" داخل الملعب.
وبسبب عشقه لسيتي وغوارديولا، زار مازولا مدينة مانشستر في شباط/فبراير لتبادل الأفكار والقمصان.
ظهر المدرب الأميركي في شريط مصوّر عرضه النادي الانكليزي وهو يتحدّث لمجموعة صغيرة من لاعبي سيتي ضمّت البرتغالي روبن دياش، البلجيكي جيريمي دوكو، الهولندي نايثن أكيه وفيل فودن على هامش حصّة تدريبية "نحن ندرس أساليب لعبكم، وكيفية نقل الكرة، والطريقة التي تدافعون بها عن هذه النقطة".
"مجنون"
"كرة القدم وكرة السلة متشابهتان من وجهة نظر تكتيكية، عليك أن تتعلّم كيفية خلق ميزة"، يوضح مازولا، نجل لاعب جامعي سابق ثم مدرّب في المدرسة الثانوية في رود آيلاند.
مرتدياً قميصاً أسود وبعينين داكنتين، يحارب مازولا طوال المؤتمرات الصحافية عن اسلوب لعب يعتمد على نقل الكرة باستمرار من الدفاع إلى الهجوم، بالتزامن مع سرعة فائقة ومن دون أي علامات توقف.
ومن أجل نقل مبادئه وتكرارها للاعبين، يحاول المدرب الذي مرّ عبر جامعات ولاية غلينفيل وفيرمونت والدوري الثانوي الرسمي "جي" مع فريق ماين ريد كلوز، مفاجأة هؤلاء المحترفين الذين يلعبون قرابة 100 مباراة سنوياً.
يقول بايتون بريتشارد ضاحكاً "يتحدّث إلينا عن كرة القدم وأيضاً عن صائدي الحيتان القدامى، وعن طريقتهم في العثور على فرائسهم، ويربط ذلك بكرة السلة، إنه أمر فريد تماماً".
مهووساً بالاسترخاء المميت للفرق التي تتقدّم بفارق كبير، يبث مازولا للاعبيه مقتطفات من معارك الفنون القتالية المختلطة، والتي ينتهي في إحداها بمقاتل على شفير الانهيار بإسقاط منافسه الذي بات مسترخياً بسبب تفوّقه.
وأكثر مثال على ذلك، المباراة الثالثة أمام مافريكس حين كاد سلتيكس أن يفرّط بتقدمه بفارق 21 نقطة في 5 دقائق.
قال ديريك وايت مبتسماً عما حدث في تلك المباراة "جو يهاجمنا، ربما يكون سعيداً بما حدث لنا حتى يتمكن من الاستمرار في توجيه الضربات إلينا. إنه مجنون، ربما شعر بالتقدير لعودة مافريكس".
من أجل هذا العشق لكرة السلة كان مازولا على حق، كما أثبت قيادته سلتيكس لاحراز لقبه الأوّل منذ عام 2008 والثامن عشر في تاريخه، لينفرد بالرقم القياسي الذي كان يتقاسمه مع غريمه التاريخي لوس أنجليس ليكرز.