النهار

هل فشلت ألمانيا في استضافة أمم أوروبا؟
المصدر: النهار العربي
من يتابع الدوري الألماني يمكن أن يلاحظ مشاكل الأرضيات في السنوات الأخيرة بسهولة.
هل فشلت ألمانيا في استضافة أمم أوروبا؟
لاعبو صربيا يودعون الجمهور بالقرب من الشماريخ (أ ف ب)
A+   A-
هاني سكر

في لقاء المنتخب المضيف ألمانيا مع نظيره السويسري في الجولة الثالثة من الدور الأول، كان عشب ملعب فرانكفورت يتطاير بسهولة، تاركاً فراغات كبيرة في الملعب بشكل لا يتناسب مع سمعة الملاعب الألمانية، التي أساساً بدأت بالتراجع منذ فترة انتشار فيروس كورونا. ومن يتابع الدوري الألماني يمكن أن يلاحظ مشاكل الأرضيات في السنوات الأخيرة بسهولة.

في ملعب سيغنال إيدونا بارك، أثار تسرّب الماء من على سطح المدرجات الكثير من الانتقادات، ووُصف بالفشل التنظيمي الرهيب، على الرغم من أن الملعب نفسه يستضيف المباريات طوال الموسم، سواءً في الدوري أو باقي البطولات. وواحدة من المباريات التي استضافها كانت ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال هذا الموسم، بالتالي لم تكن العملية هي خطأ أو عيب تصميمي واضح، بل كانت نتيجة لظروف لحظية حدثت، ولم ينجح المنظّمون في تفاديها بسبب الأمطار والعوامل البيئية.

لكن، مقابل مشاهدتنا لمظهر المطر المتسرّب، لا بدّ من مشاهدة شكل مدرجات سيغنال إيدونا بارك وهي تستقبل الجماهير من مختلف الدول الأوروبية، في هذه التحفة التي اعتدنا أن يحتلها جمهور دورتموند فقط، ولا بدّ من الاستمتاع بجمال النفق المصمم على شكل منجم فحم، والذي يميز ملعب شالكه "فيلتينز أرينا"، وهو الملعب الذي افتقدنا رؤيته في السنوات الأخيرة، بعد هبوط شالكه للدرجة الثانية، تماماً مثلما افتقدنا رؤية الملعب الأولمبي في برلين بعد هبوط هيرتا، ولو أننا شاهدناه موقتاً لثلاث مباريات في دوري الأبطال، حين استخدمه القطب الآخر للمدينة أونيون برلين، وهنا نشعر بمدى رفاهية ملاعب الألمان، ونتخيّل أن ملعبين بهذا الجمال وهذه الأهمية هما الآن لفريقين في الدرجة الثانية!

ومن هنا نفهم لماذا قيل في يوم من الأيام إن ألمانيا قادرة على تنظيم بطولة كبرى في 24 ساعة، لأن البنى التحتية التي تمتلكها من حيث الملاعب ومناطق المشجعين جاهزة في أي لحظة لاستقبال أعداد هائلة.

في أمم أوروبا لا تشاهد مقعداً فارغاً على المدرجات، إضافة لحالة رهيبة من الاهتمام الجماهيري. فظروف هذه النسخة تبدو أفضل بكثير من نسخة 2020 التي توزعت استضافتها على 12 مدينة في مختلف أنحاء أوروبا، وبتحديد لعدد الجمهور بسبب انتشار كورونا، لذا بدا كأن الجمهور الأوروبي هو المعاقب الأول بتلك النسخة، وحُرم من متابعة بطولته القارية. وما زاد من الحالة الجماهيرية هي القصص المغرية التي حملتها البطولة، فرغم وصولها لمونديالي 2010 و2022 كان هذا الظهور الأول لصربيا في أمم أوروبا منذ انهيار يوغوسلافيا، وفي استقبالها كان هناك ألبانيا وكرواتيا بكل العدائية التي تجمعهما مع هذه الدول، وكان هناك أيضاً الجار السلوفيني، والكل يعرف طبيعة جمهور شرق أوروبا وصعوبة السيطرة عليه في محافل قارية كهذه، فكيف حين تحمل هذه المشاركة بعداً تاريخياً؟ وكيف إن كان هناك منتخبات أخرى مثل كرواتيا وألبانيا تشارك في البطولة؟

وسط هذه المعطيات، من الاستحالة أن نذهب ونقول لماذا رُميت عبوة مياه على الملعب هنا أو هناك؟ ومنذ متى كانت أشياء كهذه قابلة للتفادي؟ أو لماذا اشتبكت جماهير خارج الملعب؟ إطلاق أسئلة كهذه ممكن أن نراه من مشجع لكرة المضرب مثلاً لم يتابع كرة قدم في حياته، لكن بعين المنطق والواقع من الظلم لألمانيا، أو لأي دولة مستضيفة، أن نلومها على أعمال شغب ومشاكل بين الجماهير، فهذه أشياء تُعتبر جزءاً يستحيل فصله عن كرة القدم لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل.

ما نشاهده في ألمانيا هو كرة القدم على طبيعتها الأوروبية، 24 منتخباً يتنافسون بسوية عالية جداً ومجموعات لا تُحسم إلّا في الدقائق الأخيرة، وجماهير تخلق أجواء استثنائية في ملاعب كبيرة ورائعة، من دون أن تحتاج ألمانيا لبناء ولو ملعب واحد جديد لاستضافة البطولة! لذا البحث في القشور لا يُجدي نفعاً، والانتقاد الوحيد الذي يستحق الألمان مواجهته هو التساؤل عن الأرضيات، وتحديداً في فرانكفورت. لكن عدا ذلك، أكّدت ألمانيا من جديد أن تحضير البطولة لا يحتاج لسنوات من التحضير حين تملك البيئة المناسبة للعب كرة القدم ومدرجات قابلة للامتلاء بسهولة رغم كبرها.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium