النهار

حكم إنكلترا وهولندا: صفحة جديدة بجدل طويل في يورو 2024
المصدر: النهار العربي
يمثل الجدل التحكيمي جزءاً أساسياً من كل مسابقة، ووجود من ينتقد التحكيم ويحمّله مسؤولية خروجه بأي بطولة، يبدو بمثابة جزء روتيني من اللعبة،
حكم إنكلترا وهولندا: صفحة جديدة بجدل طويل في يورو 2024
الحكم الألماني فيليكس زفاير خلال لقاء هولندا ورومانيا (أ ف ب)
A+   A-
هاني سكر
 
"كيف يختارون حكماً سبق وأن عوقب سابقاً بسبب المراهنات لقيادة أهم مباراة في الدوري؟"...
هذه كانت كلمات جود بيلينغهام بعد مباراة فريقه السابق بوروسيا دورتموند أمام بايرن ميونيخ في الدوري الألماني في 2021، حين اتخذ الحكم فيليكس زفاير العديد من القرارات الجدلية خلال المواجهة، ومنها احتساب ركلة جزاء لبايرن. وفي الواقع كلّف هذا التصريح بيلينغهام التعرّض لغرامة مالية قدرها 40 ألف يورو، لكنه في أهم مباراة له كلاعب مع منتخب إنكلترا حتى الآن، سيجد زفاير أمامه في الملعب من جديد، وهو يقود لقاء إنكلترا مع هولندا بنصف نهائي أمم أوروبا.
 
في الواقع، يمثل الجدل التحكيمي جزءاً أساسياً من كل مسابقة، ووجود من ينتقد التحكيم ويحمّله مسؤولية خروجه بأي بطولة، يبدو بمثابة جزء روتيني من اللعبة، تماماً كالفوز والخسارة وتواجد الجماهير وفرحها أو حزنها، وحتى مع تواجد تقنية الفيديو والشريحة داخل الكرة وتقنيات التسلّل نصف الآلي وكل متطلبات التطور، وبحضور نخبة من أهم حكّام العالم، بقي الجدل التحكيمي حاضراً بقوة في أمم أوروبا وتواجد زفاير حكماً للقاء نصف النهائي عاد لزيادة الجدل أكثر.
 
تعود قصة زفاير مع المراهنات لعام 2005، حين كان يتواجد في دوري الدرجة الثانية كحكم مساعد، وحينها اعترف بتقاضيه مبلغاً من المال من حكم الساحة هويزر، الذي كان قد اتفق مع مجموعة من الأشخاص الكرواتيين على تقاضي المال منهم مقابل التلاعب بنتائج مباريات الدرجة الثانية، وحينها تمّ إيقاف زفاير لستة أشهر والحُكم على هويزر بالسجن لسنتين، لكن زفاير عاد وأثبت ذاته وقاد العديد من مباريات القمة محلياً وأوروبياً، ليصل لذروة مسيرته بقيادة هذا اللقاء الذي سيتواجد فيه، وسط ضغط هائل من الصحافة الإنكليزية التي لم تترك أي فرصة إلّا واستغلتها للتأثير على الحكم قبل المواجهة.
 
في الواقع، لا يمكن وصف هذا اليورو بالفاشل تحكيمياً، لكن أيضاً لا يمكن غض النظر عن بعض الأحداث التحكيمية المهمّة، ومنها ما ذكرته صحيفة "ديلي ميل" الإنكليزية ذاتها، عن استبعاد الحكم أنتوني تايلور عن المباريات المتبقية من البطولة، بعد قيادته لمباراة ألمانيا وإسبانيا، فرغم دفاع الاتحاد الأوروبي عنه في اللقطة التي لم يحتسب فيها ركلة جزاء إثر لمسة يد من كوكوريا، إلّا أن التقييم الذي حصل عليه الحكم لم يكن جيداً، وفَقَد فرصته بالتواجد في آخر 3 مباريات من البطولة، بحسب ما ذكرت الصحيفة. فالاتحاد الأوروبي يقوم دائماً بحماية حكامه بأي شكل، ولا يرضى أن تقلّ هيبتهم أمام المنتخبات والجماهير، ويبذل كل جهد ممكن للدفاع عنهم، لكن ما هو بالداخل يختلف تماماً، بخاصة في ظل وجود حالتي مطالبة إضافيتين من الألمان بركلتي جزاء، واحدة بعد سحب فولكروغ من قميصه خلال تسديد كرة نحو المرمى، وأخرى للشك بلمسة يد أخرى من كوكوريا ذاته.
 
وبالحديث عمّا هو داخلي، لا تبدو الدول واثقة بنظافة البيت التحكيمي الأوروبي، والحديث عن ذلك لا يتمّ بشكل سرّي فقط، بل يظهر للعلن بمناسبات عديدة. ففي شهر شباط (فبراير) الماضي، احتسب حكم لقاء دورتموند وآيندهوفن ركلة جزاء جدلية لصالح الأخير، وجاء ذلك بعد ساعات قليلة فقط من تلقّي حكم لقاء لايبزيغ وريال مدريد انتقادات كثيرة بسبب إلغاء هدف مشكوك بصحته للايبزيغ، والتغاضي عن طرد محتمل لكارفخال، ليخرج المستشار في إدارة دورتموند ماتياس زامر بتصريح يبدو أنه يحمل الكثير من الحقيقة حين قال: "هناك الكثير من الأخطاء ضدّ الفرق الألمانية، على الألمان أن يستعيدوا حضورهم أكثر في اللجان الدولية كي يقلّلوا من ذلك".
 
تصريح زامر حمل معه الكثير من التشكيك بما يتحدث عنه الجميع، فهل هناك "لوبي" داخلي يؤثر على القرارات التحكيمية داخل اللعبة؟ وبعيداً من صعوبة حسم ذلك وشبه استحالة التحكّم الكلي بنتائج المباريات في ظل كل التقنيات الموجودة، إلّا أن الشكوك بالإدارة التحكيمية تبقى حاضرة دائماً.
 
بالعودة إلى حاضر اليورو، نجد أن العديد من الحكّام قد استُبعدوا بسبب قرارات غير مقبولة، منهم الروماني استفان كوفاكس الذي أشهر 18 بطاقة صفراء وبطاقتين حمراوتين في لقاء تشيكيا وتركيا ضمن الجولة الأخيرة من دور المجموعات، وهي ذات الجولة التي لقي فيها الهولندي داني ماكيلي انتقادات بسبب قيادته للقاء كرواتيا وإيطاليا، ليتمّ استبعاد الثنائي بعد هاتين الواقعتين من باقي مباريات البطولة.
 
لنتفق مبدئياً على أن استبعاد الحكم بسبب إنذارات، أو احتساب بدل ضائع طويل، هو أقل خطورة بكثير من استبعاده بسبب احتساب هدف غير شرعي غريب، أو التغاضي عن حالات ركلات جزاء. لذا بالتأكيد يبدو الأمر أقل فوضى مما كان يحدث في الماضي. فدخول التقنيات أضاف شيئاً من العدالة، ولو أن التدخّل البشري هو من يخربها، وغياب توحيد القرارات بين الحكام يجعل الموضوع أصعب، فممكن لحكم لقاء جورجيا وتشيكيا أن يحتسب ركلة جزاء بسبب يد ممدودة، حتى لو جاءت الكرة من مسافة قريبة، لكن لا يمكن لحكم إسبانيا وألمانيا اتخاذ ذات القرار بداعي أن الاتحاد الأوروبي قد شرح للحكّام حالات عدة قبل البطولة، وقال لهم إنها حالات سليمة، تاركاً باب الاجتهاد مفتوحاً لحكامه باتخاذ القرارات، وأشياء كهذه ستترك الباب مفتوحاً لانتقاد التحكيم دائماً، لأن أي مشجع سيخطر بباله سؤال: هل سيكون مسموحاً لكل مدافع أن يبعد الكرة بيده في الموسم المقبل كما فعل كوكوريا أمام ألمانيا؟ والجواب هو أننا لن نجد مدافعاً يجازف بذلك، لأننا ببساطة لا نثق بتساوي القرارات بين جميع الحكام.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium