هاني سكر
حين فاز منتخب إسبانيا بلقبي أمم أوروبا 2008 و2012، وبينهما كأس العالم 2010، كانت قائمة المنتخب تشهد تنافساً كبيراً بين لاعبي برشلونة وريال مدريد، وفي 2010 كانت قائمة لاروخا تضمّ 7 لاعبين من بارسا مقابل 5 من ميرينغي، ليشكّلوا سوياً "غلاكتيكوس" من نمط خاص، وتكون نتيجة ذلك رفع حصيلة الإسبان بالألقاب الكبرى بتاريخهم من لقب واحد، يورو 1964، إلى 4 ألقاب خلال 4 سنوات فقط.
اليوم لا يسيطر لاعبو ريال مدريد ولا برشلونة على المنتخب، والأكثر تمثيلاً بالمنتخب هو ريال سوسيداد مع 5 لاعبين مقابل 3 لجاره الباسكي بلباو و4 لبرشلونة، وبالمجمل تبدو الهوية الباسكية مسيطرة على جزء كبير من المنتخب الذي يحلم للفوز بنهائي أمم أوروبا الأحد، ليصبح أول منتخب ينجح بتحقيق اللقب 4 مرّات بالبطولة، كاسراً التساوي مع منتخب ألمانيا الذي خرج على يد لاروخا في ربع النهائي.
تبدأ جذور القصة الباسكية في المنتخب من المدرب لويس دي لا فوينتي، الرجل الذي لم يمثل منتخب إسبانيا الأول كلاعب ولو لمباراة واحدة، لكن في بلباو كان واحداً من أفراد الجيل الذهبي الذي حقق لقب الدوري في موسمين متتاليين بين 1982 و1984، علماً أن الباسكيين لم يحقّقوا اللقب بعدها منذ ذلك الحين وحتى الآن.
كمدرب، قليلون من عرفوا اسم دي لا فوينتي قبل وصوله لسن 61 عاماً حين تولّى تدريب منتخب إسبانيا الأول قبل سنتين، بعد 9 سنوات من بداية رحلته مع المنتخبات الإسبانية وتدرجه بالفئات العمرية، ولو أنه لم يخط خطوة إلّا وحقق لقباً فيها، فحقق لقب أمم أوروبا \تحت 19 عاماً\ و\تحت 21 عاماً\ ومع منتخب \تحت 23 عاماً\ وصل لنهائي أولمبياد 2020، ولو أنه لم ينجح في تحقيق الذهب، والآن مع المنتخب الأول لا يريد أن يحصد الفضّة مرّة أخرى.
وبجانب دي لا فوينتي واللاعبين الثمانية الذين ينشطون بين بلباو وسوسيداد، يظهر العديد من الأسماء التي بدأت رحلتها في إسبانيا من الباسك، مثل لابورت الذي تمثل قصته تحولاً درامياً، بعدما استُدعي لمنتخب فرنسا بـ4 مباريات من دون أن يشارك في أي دقيقة، قبل أن يقرّر أن يصبح إسبانياً من حيث التمثيل الدولي.
بعيداً من التقسيم الجغرافي، يبدو الإسبان الأكثر إدراكاً لكيفية التعامل مع المباريات النهائية، فإن كان ريال مدريد قد حصد 15 لقباً بدوري الأبطال من 18 مباراة نهائية، وبرشلونة 5 من 8، فإن الإسبان فازوا بـ3 ألقاب أمم أوروبا من أصل 4 مباريات نهائية، وفازوا بكأس العالم في المرّة الوحيدة التي بلغوا فيها النهائي.
جاهزية الإسبان للنهائي تبدو مرتفعة جداً، حيث سجّلوا 13 هدفاً في 6 مباريات في البطولة، الأكثر تسجيلاً بالمسابقة، مقابل تلقّي 3 أهداف فقط، وواجهوا مواقف مختلفة بالأدوار الإقصائية، فتأخّروا بالنتيجة أمام جورجيا وفرنسا، وتقدّموا مرّتين على ألمانيا بالمباراة الوحيدة التي احتاجوا فيها للأشواط الإضافية للتأهل.
يمثل الإسبان الأكثر صناعة للفرص في البطولة بفضل الثنائية الشابة على الجناحين المتمثلة بجمال وويليامز، حيث نجح جمال بصناعة 3 أهداف، الأكثر بالبطولة، بالتساوي مع سيمونز، كما سجّل هدفه الأول في البطولة بنصف النهائي ليصبح أصغر مسجّل بتاريخ اليورو، أما الورقة الرابحة الإضافية فهي داني أولمو الذي ظهر بربع نهائي البطولة، حين أصيب بيدري في الدقائق الأولى، لينزل أولمو ويسجّل هدفاً ويصنع هدفاً آخر. وفي الحصيلة بات أولمو في صدارة هدافي البطولة "3 أهداف" بالتساوي مع خاكبو وموسيالا وشرانز، علماً أن ما يميّزه هو صناعة هدفين، وبوجوده بات لدى الإسبان حل آخر للتسديد من على حدود المنطقة، تماماً كما كان يفعل رويز الذي يمثل أحد أهم مفاتيح نجاح الفريق بالبطولة بفضل ثنائيته الممتازة مع رودري.
إيقاع الإسبان المرتفع وضغطهم العالي القوي كانا المفتاح الأساسي لنجاح الفريق طوال البطولة حتى الآن، ولو أن الدفاع نال العديد من الانتقادات، لكن كي تصل لخط الدفاع فإن المشوار صعب جداً أمام وسط متين وأجنحة سريعة، ولو أن واحدة من مشاكل المنتخب هي عدم كفاية حلول الدكة، فخيارات دي لا فوينتي تبدو واضحة دائماً، وبغياب بيدري والاعتماد على أولمو أساسياً، قلّت فعالية الخيارات الموجودة في الخارج أكثر، بخاصة إذا ما قارنناها بامتلاك الإنكليز لدكة رهيبة.
سيستفيد دي لا فوينتي بالنهائي من عودة كارفخال ولو نورمان، ورغم تقديم ناتشو ونافاس لمباراة ممتازة ضدّ فرنسا، إلّا أن المستوى العالي لكارفخال هذا الموسم سيكون ضرورياً للمدرب، بخاصة في ظل ثنائيته الممتازة مع جمال الذي بات المفتاح الأساسي لصناعة اللعب، سواء بالعرضيات أو التمريرات الأرضية.
حين تولّى دي لا فوينتي تدريب المنتخب قبل عامين كان التوقع بأن إسبانيا ستذهب لمرحلة تجديد تحتاج لوقت طويل، فجيل النجوم انتهى، والأسماء الحالية ليست بإبهار الماضي، لكن لقب دوري الأمم كان بداية لمرحلة من الثقة والمتعة بالأداء، ولقب اليورو قد يجعل الجميع يتأكدّ أن الإسبان يعرفون دائماً طريق النجاح.