مابيل حبيب
يسعى المنتخب الإنكليزي لكسر "النحس" الذي يلاحقه طوال تاريخه في البطولات الدولية، من خلال الفوز بكأس أمم أوروبا 2024 في ألمانيا، عندما يواجه المنتخب الإسباني في المباراة النهائية يوم الأحد المقبل على الملعب الأولمبي في برلين.
إنكلترا لم تصل إلى نهائي مسابقة رسمية دولية سوى مرّتين، الأولى عندما أحرزت لقب كأس العالم عام 1966 على أرضها، والثانية عندما بلغت نهائي يورو 2020 (أقيم عام 2021 بسبب جائحة كوفيد-19) على أرضها أيضاً. هذه المرّة الأولى التي سيلعب فيها منتخب "الأسود الثلاثة" مباراة نهائية خارج أرضه، ويسعى لأن تكون برلين "مدينة الأحلام" الجديدة له.
مشوار إنكلترا لم يكن سهلاً في يورو 2024، ولم تحقق أي انتصار في المتناول من دور المجموعات وصولاً إلى نصف النهائي، إذ تغلّبت على صربيا 1-0 وتعادلت مع الدنمارك وسلوفينيا 1-1 و0-0 توالياً في دور المجموعات، وتفوّقت على سلوفاكيا 2-1 في الدور الـ16، وعلى سويسرا بركلات الترجيح في ربع النهائي، وأخيراً على هولندا 2-1 في نصف النهائي.
حتى أنّ أداء المنتخب الإنكليزي لم يكن مشرّفاً، ولم تُشعرنا إنكلترا ولو لمرّة أنها من أبرز المرشحين على اللقب، حيث بدا الفريق "تائهاً" في معظم الأوقات.
أسماء لإثبات نجوميتهم
إذا نظرنا إلى تشكيلة المنتخب الإنكليزي، نجد أنها مدجّجة بأهم العناصر في مختلف الخطوط، ونجوم يصعب التغلّب عليهم. بدءاً من خط الدفاع مع كايل ووكر وجون ستونز، مروراً بخط الوسط مع ديكلان رايس وجود بيلينغهام، وصولاً إلى خط الهجوم مع فيل فودن وبوكايو ساكا وهاري كاين. هؤلاء ليسوا نجوماً عاديين، بل من الطراز الرفيع، ويلعبون مع أندية القمة في الدوريات الأوروبية الكبرى. هذه الأسماء قادرة على الإطاحة بأي خصم إذا جرى تنظيمهم كما يجب على أرض الملعب.
تمكّن هاري كاين من تسجيل 3 أهداف في البطولة حتى الآن، وهو يريد زيادة غلّته في المباراة الأهم بالنسبة إليه. ليس هذا فحسب، بل يسعى لفك "النحس" الذي يلاحقه منذ بداية مسيرته، إذ إنه لم يفز بعد بأي لقب جماعي لا مع منتخب بلاده ولا مع الأندية التي لعب لها، حتى لُقّب بـ"اللاعب المنحوس".
أما نجم نادي ريال مدريد جود بيلينغهام، فرغم تسجيله هدفين ثمينين لمنتخب بلاده في البطولة، إلّا أنه لم يجد نفسه كما يجب في معظم المباريات، وظهر بمستوى عادي في غالبية الفترات، كما أن وظيفته على أرض الملعب تتغيّر أحياناً، فينتقل للعب على الأطراف، الأمر الذي لم يعتد عليه إطلاقاً، وهو لا ينجح سوى خلف المهاجم في وسط الملعب.
وبالنسبة إلى الجناح بوكايو ساكا، فهو يقدّم أداءً مميّزاً على الأطراف، ويفتح اللعب دائماً لزملائه بسرعته ومراوغاته، لكنه يفتقد إلى لاعب يلبّي تمريراته في منطقة الجزاء، ما يؤكّد "ضياع" الفريق على أرض الملعب، وأن الخطوط ليست منظّمة كما يجب من قبل المدرّب غاريث ساوثغيت.
هل وجد ساوثغيت الحل؟
قدّم المنتخب الإنكليزي أفضل مستوياته في نصف النهائي أمام هولندا، وتحديداً في الشوط الأوّل والدقائق الأخيرة من الشوط الثاني. في هذا اللقاء، لم يكن منتخب "الأسود الثلاثة" "تائهاً" كما جرت العادة في المسابقة، بل ظهر أكثر تنظيماً وسيطرة على مجريات اللعب.
هذه المرّة الثانية التي تخطف فيها إنكلترا الفوز في اللحظات الأخيرة (أمام سلوفاكيا في الدور الـ16) والمرّة الثالثة في الدقائق الأخيرة (أحرزت هدف التعادل في الدقيقة 80 أمام سويسرا). ما يعني أنها قادرة على العودة في أي وقت، وهو أمر منطقي نظراً للتشكيلة التي تمتلكها ودكة البدلاء الغنية لديها.
نجح رهان ساوثغيت أمام هولندا في التبديلات التي أجراها، عندما أدخل كول بالمر وأولي واتكينز بدلاً من فيل فودن وهاري كاين في الدقيقة 81. ظنّ الجميع أن دخول واتكينز "غير منطقي"، فهناك أسماء أفضل منه نظرياً، ولم يشارك سوى لدقائق قليلة قبل هذا اللقاء، لكنه أثبت أحقيته بالدخول في الوقت الحساس. واتكينز وبالمر صنعا الفارق أمام هولندا، فالأوّل سجّل هدفاً رائعاً بعد تمريرة حاسمة من الثاني في الدقيقة 91. كما أنّ ساوثغيت قرأ هذه المباراة جيّداً وعرف كيف يعطّل هجمات المنتخب البرتقالي ويحل اللعب في الخط الهجومي.
يبدو أن ساوثغيت بدأ يتعلّم من دروس الماضي، فالجميع ينتظر منه لقباً، لا أرقاماً قياسية تحطّم من دون فائدة. والأكيد أنّ هذه المرّة لن يُرحم، لا من قبل وسائل الإعلام الإنكليزية ولا من قبل الجماهير في حال فشل في التتويج و"شحن" الكأس إلى لندن. لكن المهمّة ستكون معقّدة جداً أمام منتخب منظّم وقوي في مختلف الخطوط أيضاً، ويقدّم أجمل كرة قدم في البطولة، ألا وهو المنتخب الإسباني الذي تصدّر مجموعة الموت عن جدارة وأطاح ألمانيا صاحبة الأرض وفرنسا قبل بلوغ النهائي.
حلّ "شيفرة" "لا روخا" والمدرّب لويس دي لا فوينتي ستكون صعبة، لكنها ليست مستحيلة على منتخب تُقدّر قيمته السوقية بأكثر من مليار يورو.