هاني سكر
نسخة أخرى من كأس أوروبا تشهد تميز الكثير من المنتخبات التي يتم تصنيفها على أنها من الصف الثاني أو المتوسطة، في الوقت الذي لا نرى هذا التغيير لامعاً في قارات أخرى، ففي آسيا يمكنك سلفاً توقع أسماء المنتخبات التي ستصل الأدوار الحاسمة، والحال ذاتها تنطبق على كوبا أميركا، وحتى غالباً في أفريقيا، أما في القارة الأصعب والتي فيها منتخبات تضم صفاً كاملاً من النجوم، فتجد منتخبات تفرض ذاتها على الكبار وتقدم أداءً ممتازاً.
لم ينجح أي من الأحصنة السوداء بالوصول لنصف النهائي، لكن السبب ليس فارق المستوى، فركلات الترجيح منعت سويسرا من إقصاء إنكلترا بعد تقديم شاكا وزملائه مباراةً ممتازةً كان الأقرب فيها للتأهل، عدا اقتراب سلوفاكيا من إقصاء إنكلترا بالدور الثاني لولا هدف بيلينغهام القاتل، دون نسيان تصدر النمسا مجموعتَها أمام فرنسا وهولندا، قبل أن تخرج من تركيا التي كانت قريبة من إقصاء هولندا.
بالواقع لا يمثل تألق هذه المنتخبات أمراً جديداً في البطولة، فشاهدناه بيورو 2020 ومثله في يورو 2016 حين شاهدنا منتخبات بولندا وسويسرا وأيسلندا وويلز بربع النهائي، وحينها بدا من الواضح أن زيادة عدد المنتخبات إلى 24 فريقاً لم يكن خياراً سلبياً أبداً، بل هناك منتخبات كانت تنتظر فتح الباب لها لتثبت جدارتها في نهائيات بطولة قارية.
حدوث ذلك لم يكن عشوائياً، ولسنوات طويلة كانت الكرة الأوروبية تهتم برفع مستوى اللعبة في جميع الدول، ونتذكر أنه بالشكل القديم لدوري الأبطال كان يتأهل نادٍ واحد من كل دوري، حتى الدوريات الكبرى، وهو ما كان يمنع الكثير من الفرق الكبيرة من بلوغ البطولة.
لكن بعد ذلك فُتح الباب لرفع مستوى البطولة بخلق تصنيف للدوريات ومنح الدوريات الكبرى المزيد من المقاعد، لكن رغم ذلك حرص بلاتيني خلال ولايته على أن تستمر كرة القدم بالانتشار في الدول المتواضعة كروياً بأوروبا، وحتى تقسيم التأهل من الملحق للدوري الأبطال كان يتضمن مسارين، واحد اسمه مسار الأبطال والآخر مسار التصفيات، حيث تتصادم الفرق القادمة من الدوريات الكبرى بعضها ببعض في مسار الأبطال، في الوقت الذي يمنح فيه مسار التصفيات الفرصة للفرق القادمة من دول أصغر، بالتالي شاهدنا أندية تصل مثل أستانا الكازاخستاني وكارباخ الأذربيجاني وباتي بوريسوف البيلاروسي لدوري الأبطال، وهو ما زاد من حجم اهتمام الجماهير بهذه الدول وغيرها.
العامل المهم الآخر هو زيادة عدد لاعبي الدول الصغيرة بالدوريات الكبرى، مثل وجود كفاراتسخيليا في نابولي الإيطالي وغولير في ريال مدريد ويلماز في جوفنتوس، وأوبلاك في أتلتيكو مدريد، وشيشتو في لايبزيغ، وغيرهم من اللاعبين الذين هم في أندية تتنافس على الألقاب سنوياً وتحقق الإنجازات، والسبب ببساطة أن آليات عمل الكشافين باتت أكثر تطوراً والكل بات يبحث عن إيجاد أفضل موهبة بأفضل سعر ممكن، واستقدام لاعبين من هذه البطولات لن يكون كتكلفة استكشاف لاعب موجود في نادٍ آخر بالدوري ذاته، بالتالي كان مكسباً ممتازاً للأندية، وأصبح الجميع فعلاً يبحث عن هذه الحلول القادمة من خارج الصندوق.
يضاف إلى ذلك فكرة ضرورية ترتبط بأن المستوى التكتيكي للكرة الأوروبية أصبح مرتفعاً بمجمل بطولاتها، وتأهيل اللاعبين الصغار بالفئات العمرية يتم وفق آليات عمل كبيرة ومعقدة تضمن وصول أي لاعب لفئة الرجال بجاهزية وفكر جيد، وهذه الأشياء تجعل الفارق بين منتخبه والمنتخبات الكبرى أقل، وعلى أرض الملعب ووسط دعم الجمهور الحالم بإنجاز كبير، سنجد المنافسة الممتعة بين هذه المنتخبات، وسنستمتع كلَّ مرة ببطولة قارية فيها الكثير من الأسماء والمفاجآت المميزة، لهذا تبقى أمم أوروبا هي البطولة القارية الأفضل وبفارق واضح تكتيكياً وفنياً عن باقي البطولات.