سيد محمد
تشهد دورة الألعاب الأولمبية التي تنطلق في باريس في 26 من تموز (يوليو) الجاري، غياب عدد كبير من النجوم عن منتخبات بلادهم المشاركة في منافسة كرة القدم للرجال، وأبرز الأمثلة على ذلك كيليان مبابي نجم ريال مدريد ومنتخب فرنسا، الذي كان يرغب بشدّة في المشاركة، ويتردّد إنّ الأسطورة الأرجنتيني ليونيل ميسي أراد ذلك أيضاً، ولكنهما لن يتمكنا من تحقيق ذلك، لأنهما مثل غالبية نجوم كرة القدم، ضحايا صراع أزلي بين اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".
ويعدّ هذا الصراع هو السبب الذي دفع المنظّمين إلى فرض قيود رئيسية على قائمة منتخبات الرجال المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية. فالأزمة الأولى هي أنه ينبغي أن يكون جميع اللاعبين، باستثناء 3، بعمر 23 عاماً أو أقل. أما الثانية، فبغض النظر عن عمر اللاعب، يجب أن يسمح له ناديه أوّلاً باللعب في البطولة.
القاعدة الثانية هي التي أفسدت حلم مبابي، ولم يتمكن حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من إنقاذه. وصرّح مبابي المولود في باريس في آذار (مارس) الماضي: "لطالما قلت إنّ دورة الألعاب في باريس هو أمر استثنائي، وأردت أن أكون هناك". لكنّ ريال مدريد رفض السماح له بالمشاركة. بدوره، أوضح زميله الفرنسي أوريليان تشواميني: "يجب أن نستأذن صاحب العمل، وإذا اعترض ريال مدريد، فلن يكون هناك الكثير مما يمكن قوله".
الأندية تسير على نهج ريال مدريد
موقف ريال مدريد جعل عشرات الأندية الأخرى أيضاً ترفض منح التصاريح اللازمة للاعبين، وإعطاءهم الضوء الأخضر للمشاركة في البطولة الدولية، وبالتالي؛ من بين أفضل 100 لاعب في العالم، لن يحضر سوى اثنين فقط، هما الأرجنتيني جوليان ألفاريز والمغربي أشرف حكيمي.
وسيكون معظم اللاعبين البالغ عددهم 288 لاعباً من المواهب الصاعدة أو المخضرمين الذين لا يحملون شهرة كبيرة، وتجعل هذه القواعد من بطولة كرة القدم للرجال في الألعاب الأولمبية أشبه بمنافسات الفرق الجامعية، وهي التي جرى وضعها، لأنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم لا يريد أن تنافس الألعاب الأولمبية أو أي بطولة أخرى لكرة القدم بطولة كأس العالم، ولكن التفسير التاريخي أكثر تعقيداً.
كيف يفرض "فيفا" قيوداً على الألعاب الأولمبية؟
ذات مرّة، قبل قرن من الزمان، قبل أن تكون هناك بطولة كأس عالم، كانت الألعاب الأولمبية بمثابة قمة كرة القدم، واعترف "فيفا" بالألعاب باعتبارها بطولة عالمية في عشرينات القرن العشرين، قبل أن تتعقّد الأمور، فكانت كرة القدم تتحوّل ببطء إلى رياضة احترافية، وكانت اللجنة الأولمبية الدولية متمسكة بمبدأ مفاده أنّ كل المشاركين يجب أن يكونوا هواة، لذا تولّى "فيفا" زمام الأمور، وأطلق كأس العالم المفتوحة للجميع، والتي تفوّقت على الفور على البطولة الأولمبية.
وهكذا بدأت سلسلة من المشاحنات بين الاتحاد الدولي لكرة القدم واللجنة الأولمبية الدولية، والتي شكّلت كرة القدم الأولمبية، وفي خضم أوّل نزاع من نزاعات عدة، خرجت كرة القدم من الألعاب الأولمبية في عام 1932، ثم عادت في عام 1936، وظلت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها بقيت أيضاً مجرّد رياضة للهواة، وعلى هذا فقد تبلورت كمسابقة من الدرجة الثانية.
"فيفا" يدرك حجم المخاطر
في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، ألغت اللجنة الأولمبية الدولية أخيراً القواعد التي كانت تحكم ممارسة الألعاب الرياضية للهواة، وقرّرت السماح للمنتخبات بمشاركة كل الفرق من الكبار، ولكن بحلول ذلك الوقت، انقلبت الأمور، ونضج الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وتحوّل إلى منظمة تجارية، أدرك أنّ إقامة بطولة كرة قدم أولمبية احترافية بالكامل؛ من شأنها أن تشكّل تهديداً محتملاً للتفوّق على كأس العالم للرجال وأرباحها.
وتفاوضت اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم على سلسلة من التنازلات، أوّلها: في الثمانينات، كان بوسع المنتخبات من خارج أوروبا وأميركا الجنوبية أن تشارك بكل لاعبيها المحترفين، ولكن أي لاعب أوروبي أو أميركي جنوبي شارك في كأس العالم لم يكن مؤهلاً للمشاركة.
وفي عام 1992، حلّت قاعدة اللاعبين تحت 23 عاماً مكان تلك القواعد، وفي عام 1996 تمّت إضافة اللاعبين الثلاثة الذين تجاوزوا السن القانونية، وظلت هذه القيود سارية منذ ذلك الحين.
ولكن هذه ليست حدود سيطرة "فيفا"، فآليته الأساسية تتلخّص في ما يسمّى"الأجندة الدولية"، التي تخصّص فترات محدّدة يتعيّن خلالها على الأندية المحترفة أن تسمح للاعبين بالانضمام إلى منتخباتهم الوطنية، وتسري هذه القواعد على البطولات الكبرى؛ على سبيل المثال، أن يكون جميع اللاعبين متاحين للبطولات القارية مثل كأس الأمم الأوروبية و"كوبا أميركا".
ولكن الألعاب الأولمبية ليست مدرجة على أجندة الاتحاد الدولي لكرة القدم، وبالتالي فإنّ إمكانية المشاركة في الألعاب الأولمبية تصبح موضوعاً للحوار المثير للجدل في بعض الأحيان بين مدربي المنتخبات الوطنية ووكلاء اللاعبين وأنديتهم.
ولهذه الأسباب، تبدو بطولة كرة القدم للرجال في الألعاب الأولمبية ضعيفة وباهتة، ففي حين أنّ بطولة السيّدات تبدو أشبه بكأس عالم، حيث يحق لجميع النجمات المشاركة فيها، فإنّ أبطال كرة القدم للرجال في العصر الحديث لا يستطيعون ذلك.