النهار

"السائح الاثيوبي" الذي ادهشت لياقته البدنية وحيويته الأطباء
المصدر: أ ف ب
الأثيوبي أبيبي بيكيلا عداء مذهل يجري حافي القدمين وكأنه في سهوب بلاده يركض خلف الخرفان.
"السائح الاثيوبي" الذي ادهشت لياقته البدنية وحيويته الأطباء
أبيبي بيكيلا
A+   A-
الأثيوبي أبيبي بيكيلا عداء مذهل يجري حافي القدمين وكأنه في سهوب بلاده يركض خلف الخرفان.
 
فاز في ماراثون دورة روما 1960 في الأمسية الأخيرة من الألعاب، واجتاز خط النهاية نضراً غير متأثر بالمسافة والجهد، فادهشت لياقته البدنية وحيويته الأطباء بعد عناء 42.195 كلم.
 
اخترق "السائح الاثيوبي" شوارع العاصمة الإيطالية مكتشفاً روما القديمة وحاصداً الانتصار ومحطّماً الرقم القياسي الذي حققه التشيكوسلوفاكي إميل زاتوبيك في دورة هلسنكي 1952 (2:23:03.2 ساعة).
 
خرج بيكيلا (28 عاماً)، الجندي في الحرس الإمبراطوري الاثيوبي من بين الصفوف، واخترق الطليعة ليبلغ خط النهاية حافي القدمين، فالأحذية الرياضية لا تريحه، والجري من دونها أسهل. سجّل 2:15:16.2 ساعة مقابل 2:15:41.6 ساعة للمغربي عبد السلام الراضي.
 
وكان بيكيلا (58 كلغ، 1.76 م) نموذجاً لجيل من العدائين الأفارقة الذين طبعوا المسافات الطويلة بطابعهم الخاص، والحصاد المثمر لمدرّب اللياقة البدنية في كتيبة حرس الإمبراطور هايلي سيلاسي، السويدي أومني نيسكانن المولود في هلسنكي.
 
قبل أربع سنوات من موعد الالعاب، اكتشف المدرّب الخبير جندياً شاباً انخرط في صفوف الحرس الامبراطوري منذ سن المراهقة، بهره بقدرة تحمله. شاب قادم من الريف البعيد ومولود في 7 آب (أغسطس) 1932، وهو اليوم الذي نظّم فيه سباق الماراثون في دورة لوس أنجلس الأولمبية.
 
عندما فاز بيكيلا بذهبية روما كان العداء الحافي القدمين مجهولاً، لكن وقته القياسي جعل منه أسطورة لكونه أول رياضي أفريقي أسود يتوج بطلاً أولمبياً. ومن المفارقات أنه أحرز لقبه في روما عاصمة الدولة التي استعمرت بلاده اثيوبيا، واجتاز خط الوصول (تحت قوس قسطنطين على بعد خطوات من الكوليزيه) من حيث أرسل موسوليني قبل ربع قرن قواته لتغزو بلاد الحبشة.
 
بيكيلا ابن مزارع فقير من قبيلة امهارا في جنوب أثيوبيا، شديد السمرة، أشعث الشعر، حاد الأنف، بدأت مواهبه الرياضية تبرز في دورات عسكرية محلية. تولّى شؤونه نيسكانن وقاده إلى ذلك النصر التاريخي الكبير.
 
وعندما عاد الى بلاده كان طبيعياً أن يُستقبل استقبال الأبطال. وقد اهداه النجاشي (الامبراطور) شقّة وسيارة. ولكن بعد فترة وجيزة حصل تمرّد في القصر الامبراطوري، تم على اثره اعتقال جميع أفراد الحرس واعدامهم رمياً بالرصاص، باستثناء بيكيلا الذي تدخل الامبراطور شخصياً لإنقاذه، وقيل يومها إن ذهبيته الأولمبية انقذته.
 
ومع حلول موعد اولمبياد طوكيو 1964، تردّد مدرب المنتخب الاثيوبي في ضمّ بيكيلا إلى الفريق لأنه كان قد خضع قبل خمسة أسابيع لعملية إزالة الزائدة الدودية. وفي أي حال خاض العداء السباق منتعلاً حذاء رياضياً هذه المرّة وفاز به مسجّلا 2:12:11 ساعة، فبات أوّل من يحتفظ بلقب هذا السباق الصعب. واستقبل في بلاده استقبال الفاتحين وكوفئ بترفيعه إلى رتبة ملازم.
 
وفي أولمبياد مكسيكو 1968، اضطر بيكيلا للانسحاب بعد 17 كلم من الماراثون بسبب اصابة في قدمه.
 
وكان هذا الامر بسيطاً بالمقارنة مع ما تعرّض له لاحقاً هذا البطل الأولمبي المتزوّج (له أربعة اولاد) عندما اصيب بالشلل نتيجة حادث سيارة عام 1969. غير أن عزمه الذي لا يلين دفعه إلى المشاركة في مسابقة لرمي السهام وهو على مقعد متحرّك في إنكلترا. وفي 1973 توفي عن 41 عاما اثر نزيف في الدماغ واقيم له في بلاده مأتم مهيب في يوم أعلنه الامبراطور يوم حداد وطني.
 
النعل الطبيعي
لطالما فضّل بيكيلا أن يعدو حافي القدمين لشعوره براحة أكبر وتلقائية. كان فقط ينتعل الحذاء عندما يشعر أن المسار سيعرّضه لاصابة او جرح. ونتيجة ذلك، قسا الجلد في اسفل قدميه وباتت سماكته ميليمترات فبدا وكأنه نعل "طبيعي"، ولم يعد ينزعج او يشعر بوخز أو ألم.
 
كان بيكيلا يتدرّب مرّتين يومياً، في الصباح الباكر وقبل المغيب. يقوم باحماء لمسافة طويلة ثم يجري سلسلة 1500 م لتنمية السرعة فضلاً عن حصص جري طويل في الريف. وهذا التنويع مفيد لا سيما أن المنطقة جبلية والأمكنة المطلوبة متوافرة.
 
كما طلب نيسكانن من تلميذه الهرولة صعوداً نحو المرتفعات والهضاب بسرعة كبيرة، فضلاً عن قيامه بتمارين جمباز لليونة ويرفع أثقالاً خفيفة. وتجاوب قلب بيكيلا كان ممتازاً، ونبضه يسجّل 45 دقة في الدقيقة في اوقات الراحة.
 
كشف بيكيلا انه قبل سباق روما قال له نيسكانن ان حظوظه كبيرة بالفوز، وطلب منه مراقبة العدائين السوفيات والمغربي الراضي وأن يكون حذراً ومتيقظاً، وألا يتقدّم ويتصدّر قبل الكيلومتر 30، ويمكنه فقط أن يأخذ زمام الامور في البداية اذا كان السباق بطيئا.
 
وأضاف: "انطلقت أخيراً عندما حان الوقت ولا أزال املك خزاناً من اللياقة. أنا سعيد لبلدي وللامبراطور وزوجتي التي تنتظرني في بيتنا الصغير في أديس أبيبا".
 
في السباق التأهيلي للألعاب، اجتاز بيكيلا المسافة بزمن مقداره 2:21:30 ساعة، علماً أن المسار كان أصعب بكثير، وطول المسافة صعوداً 10 كلم، والانحدار العام 250 م في مقابل 90 م في روما. كما أن العاصمة الاثيوبية تقع على ارتفاع يتراوح بين 2000 م و3 آلاف م عن سطح البحر.
 
في روما، خاض بيكيلا ماراثونه الثالث، وسبق أن برع على مسافة 25 كلم، ورقمه في 5 آلاف 14:36 دقيقة، علماً أن لا أرقام مسجّلة له رسمياً في 10 آلاف م. لكن مؤشرات أدائه تؤكّد مقدرته على اجتياز هذه المسافة (25 لفّة مضمار 400 م) بزمن دون 29 دقيقة. ومتى توافرت ظروف مثالية لخوض سباقات على الساحل، يمكنه تحطيم رقم زاتوبيك ضد الساعة.
 
كان نيسكانن يأمل بالكثير من كوكبة عدائين اثيوبيين شبان يعدهم للبطولات المقبلة. وبيكيلا أوّل غيث تلك القافلة التي انطلقت، فبعد احتفاظه باللقب في طوكيو، فاز مواطنه مامو والدي في دورة مكسيكو عام 1968.

اقرأ في النهار Premium