الألعاب الأولمبية في ميونيخ 1972
الأولمبياد العشرون في مدينة ميونيخ البافارية، في ألمانيا القوّة الاقتصادية والشعب المجتهد الذي أزال عنه آثار الحرب العالمية الثانية المدمّرة. شعب بدا سعيداً وهو يحتفل بالعالم الأولمبي، وتيمّناً بالمناسبة أطلقت اللجنة المنظمة تميمة الدورة "وولدي".
حلّ الاتحاد السوفياتي في المركز الأوّل برصيد 50 ذهبية، مقابل 33 للولايات المتحدة و20 لألمانيا الشرقية و13 لجارتها الغربية.
حصد السبّاح الأميركي مارك سبيتز سبع ذهبيات والأسترالية شاين غولد ثلاث ذهبيات. وجمع العدّاء السوفياتي فاليري بورزوف ثنائية ذهبية في 100 و200 م، والفنلندي لاسي فيرين ذهبيتي 5 ألاف و10 ألاف م. وتألقت السوفياتية أولغا كوربوت في الجمباز. وخسر الأميركيون للمرّة الأولى ذهبية كرة السلة، بفضل رمية خاطفة للسوفياتي سيرغي بيلوف.
واكتفى العرب بفضيتين بفضل العداء التونسي محمد القمودي في سباق 5 ألاف متر، والرباع اللبناني محمد خير الطرابلسي في وزن المتوسط.
وأدّت المرأة للمرّة الأولى في تاريخ الألعاب قسم المتبارين، وهي لاعبة ألعاب القوى هايدي شولر، وبعدما كانت العداءة المكسيكية هنريكيتا باسيليو أوّل امرأة توقد شعلة الألعاب (مكسيكو 1968). كما اعتُمد للمرّة الأولى قسم للإداريين والحكام.
كوماندوس فلسطيني
وعاشت الدورة أكبر الاعتداءات الدراماتيكية في تاريخ الألعاب، فقبل ستة أيام من نهايتها وتحديداً في 5 أيلول (سبتمبر)، قامت مجموعة كوماندوس فلسطينية مؤلّفة من ثمانية فدائيين بمهاجمة القرية الأولمبية واحتجزت رهائن إسرائيليين مطالبة بإطلاق سراح أسرى في السجون الإسرائيلية.
وقُتل إسرائيليان خلال الهجوم، وعندما كان الفلسطينيون ينتقلون مع رهائنهم إلى مطار فورستفيلدبروك العسكري ليستقلوا الطائرة إلى القاهرة في ضوء المفاوضات التي أجرتها معهم الحكومة الألمانية ووسطاء، تدخّلت الشرطة وتعرّض الفدائيون والرهائن لنيران القنّاصة، فاندلعت مواجهة أسفرت عن مقتل 18 شخصاً هم تسعة إسرائيليين وخمسة فلسطينيين وشرطي وقائد طائرة مروحية وألمانيان.
وأوقفت الشرطة الفدائيين الثلاثة الذين بقوا على قيد الحياة وأطلقت سراحهم بعد عملية خطف طائرة في 29 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1972.
وفي اليوم التالي للهجوم، أعلن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك الأميركي إيفري برونداج أمام 80 ألف متفرّج جملة ستبقى خالدة في الأذهان: "يجب أن تتواصل الألعاب الأولمبية".
وتعرّض في ضوئها لانتقادات حادة. واستؤنفت المسابقات، علماً أنّ رياضيين من الفيليبين وهولندا والنروج غادروا بعد الحادثة.
وجاءت خطوة برونداج على خلفية أنّ الألعاب الأولمبية يجب أن تبقى راسخة ولا يجوز أن تذهب جهود من استعدّ أربعة أعوام هباء ولا مكان للسياسة في الرياضة. واعتبر المناهضون أنّ الألعاب هي احتفال وعيد فرح "ولا يجوز أن يستمرّ عندما يلطّخ بالدماء. ففي الماضي كانت تسود الهدنة في موعد الألعاب".
وكان برونداج الثري الأميركي صاحب شركة هندسية اشتهرت ببناء ناطحات السحاب في شيكاغو "يحكم" اللجنة الأولمبية الدولية منذ 20 عاماً. وفي اختتام دورة ميونيخ، سلّم مقاليد السلطة إلى الايرلندي مايكل موريس كيلانن أو اللورد كيلانن الصحافي السابق والمنتج السينمائي.
استاد تحفة
نظّمت ميونيخ، ومن خلفها ألمانيا كلّها، الألعاب الأولمبية مقدّمة للعالم منشآت غاية في العصرية والفخامة وفي مقدّمها الاستاد التحفة بسقفه البلاستيكي الشفاف، ومحيطه الأخضر وهو كناية عن ثلة اصطناعية هي حصيلة أطنان من الردم الذي خلّفته في المنطقة الحرب العالمية الثانية.
وكانت المناسبة تستأهل المقارنة بين المدينة البشوشة وبرلين عام 1936 حين أقيمت الدورة تحت الحراب النازية. وازدهرت السوق السوداء في مناسبة حفل الافتتاح بعدما نفذت البطاقات، وامتلأت فنادق ألمانيا كلها، وبعضهم أقام في مدينة ستراسبورغ الفرنسية.
سبيتز يفي بوعده
بدأت الألعاب، وسطع فيها نجم السباح الأميركي مارك سبيتز، حيث بدأ يحقق الوعد الذي قطعه على نفسه قبل أربعة أعوام في مكسيكو إذ أعلن: "أنا أسوأ سباح الآن وسأكون الأفضل في ميونيخ".
فاز سبيتز في سباق 200 م فراشة محطّماً رقمه الشخصي بثانية. وفي اليوم عينه أسهم في تحطيم الرقم العالمي للتتابع 4 مرات 100 م.
وفي اليوم التالي، فاز سبيتز في سباق 200 م حرّة محققاً رقماً عالمياً جديداً. وتوالت الانتصارات في 100 م حرّة (رقم عالمي) والتتابع 4 مرات 200 م والتتابع 4 مرات 100 م متنوعة و100 م فراشة (رقم عالمي).
قطف سبيتز (22 عاماً) سبع ذهبيات بفضل أسلوبه المميّز في العوم فوق المياه، وكأنه "غيمة تتحرّك وتتقدّم بسرعة".
وتميّز ذلك الشاب القادم من هونولولو حيث تعلّم فن العوم، قبل أن يتألق في كاليفورنيا ويصبح غريماً كبيراً للبطل الأولمبي السابق دون شولندر، بطاقته الكبيرة في التنفّس وسرعته الانقضاضية النهائية والقوّة الخارقة في رجليه.
وعند السيّدات، فازت الأسترالية شاين غولد (15 عاماً) وحصدت ذهبيات 200 م حرّة و400 م و200 م متنوعة معزّزة أرقامها العالمية. غير أنّ والديها رفعا الصوت احتجاجاً على استغلالها "وكأنها ماكينة لحصد الميداليات من دون أي اعتبار أو مراعاة لصغر سنها أو لأنها كائن بشري قبل أي شيء آخر".
وأحرز الأميركي فرانك شورتر المولود عام 1947 في ميونيخ سباق الماراثون في اليوم الأخير من الألعاب مسجلاً رقماً أولمبياً جديداً (2:12:19.8 س)، وتوّجه برونداج قبل أن يسلّم مقاليد الرئاسة.
ووصفت ميونيخ 1972 بدورة الرياضيات الحسناوات، ومنهن الألمانية هايده روزندال بطلة الوثب الطويل (6.78 م) التي تغلّبت بفارق سنتيمتر واحد على البلغارية ديانا يورغوفا.
وفي الوثب العالي، تنافست ثلاث جميلات هنّ الألمانية أولريكه ميفارت والكندية ديبورا بريل والنمسوية إيلونا غوزنباور. وكان الرقم الأولمبي مقداره 1.82 م، والعالمي 1.92 م، وهو الارتفاع الذي تجاوزته مايفرت وهي في سن السادسة عشر لتصبح أصغر بطلة أولمبية في أم الألعاب.
وخطفت السوفياتية أولغا كوربوت (17 عاماً) القلوب وثلاث ذهبيات وفضية في الجمباز، ومواطنتها لودميلا توريشيفا ذهبية المسابقة العامة، وتميّزت البطلتان وتامارا لازاكوفيتش في مسابقة الفرق.
سلة جدلية
غير أنّ الانتصار في كرة السلة على البطل التقليدي الولايات المتحدة وبفارق سلة وفي الثانية الأخيرة (51-50) يبقى الأهم بالنسبة إلى السوفيات في مباراة نهائية لا يزال يدور جدل كثير حولها، ولا سيما في ما يتعلق بثوانيها الثلاث الأخيرة الإضافية التي احتج الأميركيون طويلاً عليها.
ميونيخ 1972 ألعاب مشرقة عكّرتها غيمة سوداء، ومحطّة شنت خلالها اللجنة الأولمبية الدولية حربها على المنشطات وكلّفت الأمير البلجيكي ألكسندر بالمعركة لكبح جماح السباق بين التحاليل الضابطة وحملات التوعية وفبركات المختبرات وطرقها الجديدة المتطوّرة والمستمرّة حتى تاريخه.
ولا ننسى أنّ السباح البلجيكي ريك دومون الذي كان يعاني أساساً من الربو أقصي من نهائيات سباق 400 م حرّة بعد اكتشاف تناوله عقار "ماراكس" المهدئ الذي يحتوي على منشط الإيفيدرين المحفز. فبات أوّل متنشّط أولمبي بهذه المادة.