النهار

فيلبس الطفل الفاشل الذي تحوّل لأسطورة أولمبيّة
المصدر: النهار العربي
يصنف الكثيرون الأميركي مايكل فيلبس بأنه أفضل رياضي بتاريخ مختلف الألعاب، فأن تكون ملك الأرقام القياسية في الألعاب الأولمبية فهو أمر يستحق الكثير من التقدير، ودون أي شك فإن فيلبس، على الأقل، هو أفضل سباح مر عبر تاريخ اللعبة وتسميته بـ"السمكة الطائرة" لم يأتِ من فراغ أبداً!
فيلبس الطفل الفاشل الذي تحوّل لأسطورة أولمبيّة
مايكل فيلبس مع ميداليات من 4 دورات أولمبية مختلفة (إكس)
A+   A-
هاني سكر
 
يصنف الكثيرون الأميركي مايكل فيلبس بأنه أفضل رياضي بتاريخ مختلف الألعاب، فأن تكون ملك الأرقام القياسية في الألعاب الأولمبية فهو أمر يستحق الكثير من التقدير، ودون أي شك فإن فيلبس، على الأقل، هو أفضل سباح مر عبر تاريخ اللعبة وتسميته بـ"السمكة الطائرة" لم يأتِ من فراغ أبداً!
 
يمثل فيلبس الرياضي الوحيد بالتاريخ الذي حصل على 28 ميدالية أولمبية، والوحيد الذي حصل على 23 ذهبية، ويملك أيضاً الرقم القياسي بأكبر عدد من الميداليات الذهبية "13" وأكبر عدد من الميداليات بالمجمل "16" بمسابقة أولمبية فردية، حيث حصل على 6 ذهبيات وبرونزيتين في أثينا 2004، ثم 8 ذهبيات في بكين 2008، ليكسر الرقم القياسي بأكبر عدد من التتويجات في دورة أولمبية واحدة، ثم فاز بـ4 ذهبيات وفضيتين في لندن 2012، قبل أن يضيف لسجله 5 ذهبيات وفضية في ريو 2020 متوجاً ذاته كأفضل رياضي أولمبي.
 
حين حقق فيلبس الذهبية الثامنة في بكين التقطت العدسات صوراً له مع عائلته وهم يبكون جميعاً، بالتأكيد وقع إنجاز كهذا وأن تصبح الأكثر تتويجاً في الأولمبياد هو يستحق كل هذا التأثير، لكن بالواقع كانت وراء تلك الدموع قصص كثيرة ترتبط بما عاناه فيلبس وما عاشته عائلته ببداياتها.
 
عاش فيلبس فترة طفولة بعيدة جداً عن المثالية، فرغم أن والده كان لاعب كرة قدم شبه هاوٍ إلا أن القصة لم تكن مرتبطة أبداً بأن هناك أباً أراد دعم ابنه ليدخل عالم الرياضة، وأساساً معظم قصص النجاح لا تُكتب بهذه المثالية، بل على العكس كان لانفصال مايكل فريد فيلبس (الأب) عن زوجته ديبورا سو فيلبس، والدة مايكل، الأثر الكبير حين كان عمر ابنهما 9 سنوات، أي بعام 1994، علماً أن والده قد عاد وتزوج مرة أخرى عام 2000 وأصبح بعيداً عن العائلة.
 
في طفولته كان فيلبس يكره الماء ويعاني مشكلات حين يتم غسل وجهه بالمياه، لكن ليس هذا الأمر هو التحول المهم الذي حدث بمسيرته، بل كانت ردة فعله على فشله الدراسي، فحين كان في المدرسة الابتدائية تم تشخيص إصابته باضطراب يؤدي لفرط بالحركة ونقص الانتباه وأخبره أستاذه أنه من الاستحالة أن ينجح.
 
بعد فوز فيلبس بالذهبية الثامنة في بكين قال إنه كان يتذكر هذه القصة رفقة عائلته بلحظات الاحتفال وبدأوا جميعاً بالبكاء، لأن الطفل الذي كان من المتوقع الفشل له منح بحركته وسرعته ونشاطه بعداً جديداً للعبة السباحة وهذه كانت من الأحلام التي أراد فيلبس تحقيقها.
 
دخل فيلبس عالم السباحة بعمر 7 سنوات مع دعم كبير من شقيقتيه اللتين ترافقانه بكل دورة أولمبية، ويرى فيلبس أن دعمهما رفقة والدته ومدربه كان السبب الأساسي بأن يحقق كل هذا النجاح ويركز تركيزاً كبيراً على دور مدربه بوب بومان الذي كانت له فلسفة خاصة بالتعامل.
 
عمل بوب بومان مدرباً ومديراً لعديد من مدارس السباحة بأميركا ورافق فيلبس منذ بداياته ورافقه كمدرب له بجميع الدورات الأولمبية، وبعد دورة بكين "القياسية" بالنسبة لفيلبس قال "كنت أثق من أني سأجد مدربي ومرشدي يقف عند طرف حوض السباحه كعادته، لقد دربني وعاقبني وحفزني وألهمني، وأثبت لي العلاقة بين العمل الجاد والنجاح".
 
ويتابع فيلبس "فلسفة بوب بسيطة إلى حد ما فنحن نفعل الأشياء التي لا يستطيع الآخرون القيام بها، أو لا يريدون القيام بذلك، توقعات بوب بسيطة جداً وتشبه ما كتبه يوماً ما اقتباساً من كتاب عن رجال الأعمال ويقول (في العمل، الكلمات هي كلمات، والتفسيرات هي تفسيرات، والوعود هي وعده، لكن الأداء وحده هو الواقع)"، بالوقت الذي يقول فيه بومان عن فيلبس إنه رجل يعرف كيفية الانعزال والتركيز الرهيب وإن هذا كان مفتاح نجاحاته.
 
يصف فيلبس بوب بالمدرب المتطلب لكن رغم ذلك كان جاهزاً لتحقيق كل هذه المتطلبات لأن مدربه كان الرجل الذي أقنعه بأنه لا مستحيل في الحياة، وهو ما حوّل الطفل الذي عاش تجربة انفصال والدَيه بعمر 7 سنوات، ثم فشله الدراسي المبكر، إلى أسطورة بعمر 23 عاماً فقط في بكين 2008، أي بعد 4 سنوات فقط من ضبطه وهو يقود تحت تأثير الكحول، والذي تسبب بالحكم عليه بغرامة مالية بسيطة 250 دولاراً مع وضعه 18 شهراً تحت المراقبة، لكنه واجه أيضاً قائمة من الأحكام منها التحدث إلى طلاب المدارس الثانوية حول الشرب والقيادة وحضور اجتماعات لجميعة "أمهات ضد القيادة تحت تأثير الكحول" وفي 2009 سئل فيلبس عن تلك المرحلة وقال إنه خذل فيها الكثير من الناس في البلاد.
 
لكن اللافت أن فيلبس ذاته عاد ليستخدم جائزة المليون دولار التي حصل عليها بعد أولمبياد 2008 لتأسيس شركة مايكل فيلبس التي تهدف لدعم لعبة السباحة وتطويرها وتشجيع الناس على نظام حياة صحي، حيث يقول إن أحد أهدافه كان أن يجعل رياضة السباحة أكثر شعبية وأهمية في بلاده أميركا، فالمولود في بالتيمور، ماريلاند، كان يتخيل أن يجلس الناس في المطاعم ويحتفلون حين يفوز بكل ذهبية جديدة وطالب بأن تصبح منافسات السباحة بأميركا سنوية بدلاً من أن تكون كل 4 سنوات.
 
لكن رغم كل هذا الشغف وهذه النجاحات والتحولات الكبيرة التي حدثت بحياة فيلبس قرر التوقف بعمر 31 عاماً، ففي حزيران (يونيو) 2016 تزوج فيلبس لكنه لم يعلن عن زواجه إلى ما بعد انتهاء مشاركته في ريو 2016، منهياً مسيرة كسر فيها 39 رقماً قياسياً ودخل فيها كتاب غينيس بـ20 رقماً قياسياً مختلفاً، ومن هنا يمكننا أن نعود للجملة التي بدأنا بها: فهل فيلبس هو الرياضي الأنجح بالتاريخ؟ وبالغالب قد يكون الجواب لمَ لا!

اقرأ في النهار Premium