مايكل فيلبس في أولمبياد ريو 2016
لم يتغيّر المشهد الرياضي عن بكين 2008 أو لندن 2012، مايكل فيلبس وأوسين بولت نجما ألعاب ريو 2016: "دلفين" أميركي خارق ينهي مسيرته بنحو دزينتين من الذهبيات و"برق" جامايكي "خالد" لم يجد بعد من هو أسرع منه.
لكن جديد أوّل ألعاب أولمبية صيفية تقام في أميركا الجنوبية، أنها أسدلت الستارة على مسيرة عملاقين تخطيا العقد الثالث من العمر، وعبّرا عن رغبتهما بإلقاء أسلحتهما الرياضية، لتكون نسخة طوكيو 2020 يتيمة من اكتساحهما منافسات الأحواض وأم الألعاب.
رصيد خيالي
في 2012، حطّم فيلبس وتخطى الرقم القياسي في عدد الميداليات الذي كان بحوزة لاعبة الجمباز السوفيايتية لاريسا لاتينينا مع 22 ميدالية بينها 18 ذهبية.
اعتزل وعاد ودخل في مشكلة إدمان الكحول والاكتئاب، لكنه ضرب مجدّداً معزّزاً أسطورته: خمس ذهبيات وفضية رفعت رصيده إلى 28 ميدالية بينها 23 ذهبية، وفي طريقه أصبح أوّل سبّاح يحرز سباق 200 م متنوّعة أربع مرّات توالياً.
نال امبراطور أحواض السباحة البالغ 31 عاماً 6 ذهبيات في اثينا 2004 و8 في بكين 2008 و4 في لندن 2012، وخمس في ريو 2016.
اللافت أنّ أقرب منافس على ذهبيات فيلبس الـ23 يمتلك 9 ذهبيات، ما يفسّر القيمة الرياضية الهائلة لابن بالتيمور.
"لا أعتقد بانكم سترون مايكل فيلبس آخر"، بهذه الكلمات لخّص المدرب بوب باومان مكانة السبّاح في تاريخ الألعاب الأولمبية.
البرق والخالد والأعظم والأسرع
وكما فيلبس، ضرب برق بولت مجدّداً، خاتماً مشاركته الأولمبية بتصريح معبّر: "أنا الأعظم (في ألعاب القوى)".
أسرع وأعظم عدّاء في العالم كرّر ثلاثية 100 و200 و4 مرات 100 م في لندن بعد بكين 2008 ولندن 2012، وفي ريو 2016 تكرّرت الحكاية مع ثلاثية ثالثة.
وسُحبت لاحقاً إحدى ذهبيات بولت (من 9 إلى 8)، بعد تنشّط مواطنه نستا كارتر في سباق التتابع خلال العاب بكين 2008.
ماذا بعد فيلبس وبولت؟
بمقدار ما كانا ثروة أولمبية وكنزاً رياضياً، سيخلّف اعتزال فيلبس وبولت أولمبياً، فجوة عميقة يصعب ردمها وعبئاً ثقيلاً على مشاهدين اعتادوا ملاحمهم.
رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الالماني توماس باخ اعتبرهما "رمزاً"، والبريطاني سيباستيان كو رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى وصف بولت بـ"العبقري".
أعرب بولت عندما توّج بذهبية سباق 200 م، عن رغبة في المشاركة بمونديال لندن العام التالي، ولكن في سباق 100 م فقط والتتابع 4 مرات 100 م، في وقت يعتبر سباق 200 م المفضّل لديه وقبّل بشفتيه خط وصوله بعد تتويجه.
الولايات المتحدة تنسخ رصيد 2012
احتفظت الولايات المتحدة بصدارة الميداليات للنسخة الثانية توالياً محرزة 46 ذهبية، بفارق شاسع عن بريطانيا الثانية (27) التي حققت مفاجأة ضخمة وأبعدت الصين عن الوصافة (26).
وفي ظلّ إبعاد فريق ألعاب القوى الروسي، باستثناء لاعبة الوثب الطويل داريا كليشينا، وبعض الرياضيين الآخرين في ألعاب أخرى بسبب تنشيط حكومي ممنهج، حلّت روسيا رابعة مع 19 ذهبية.
أقيمت المسابقات بمشاركة أكثر من 11 ألف رياضي في 32 منشأة رياضية على امتداد ريو دي جانيرو (و5 مدن لمسابقة كرة القدم).
توزعت بين منطقة بارا حيث بُنيت قرية أولمبية ومتنزه أولمبي أقيم فيها العدد الأكبر من المسابقات، شاطئ كوباكابانا مكان مسابقات المياه المفتوحة والكرة الشاطئية، ماراكانا حيث الملعب الاسطوري لكرة القدم وموقعي الافتتاح والختام بالإضافة إلى ملعب "أنجينياو" (أو جواو هافيلانج) الأولمبي مضيف منافسات ألعاب القوى، فيما كانت منطقة ديودورو الأكثر عزلة لوقوعها في منطقة عسكرية استضافت الرماية والدراجات والرغبي والفروسية.
واحتفلت إيران بأوّل ميدالية نسائية في تاريخ مشاركاتها في الألعاب، كانت من نصيب كيميا علي زاده التي حصلت على برونزية في منافسات التايكواندو.
لم يكن بالإمكان أفضل مما كان
صحيح أنّ البرازيليين لم يتعهّدوا تنظيم ألعاب تاريخية بل قاموا بما هو مقدورهم وسط ظروف صعبة تمر فيها البلاد.
تراوحت مشكلات ريو بين المواصلات الصعبة، وضع أمني مزر برغم نشر نحو 80 ألف رجل أمن، مدرّجات نصف فارغة أو خدمات متواضعة مقارنة ببكين ولندن، لكن فيروس زيكا الذي أرعب الجميع قبل الألعاب أخذ قسطاً من الراحة وغابت أخباره في فصل الشتاء في ريو.
عانت البرازيل أزمة اقتصادية واجتماعية إلى جانب المشكلات السياسية التي أدّت إلى اقصاء الرئيسة ديلما روسيف في أيار (مايو) بقرار من مجلس الشيوخ واستبدالها موقتاً بنائبها ميشال تامر.
كان الجميع يتصوّر أنّ هذه الألعاب ستكون ملوّنة، وشعبية واحتفالية. ولكنها كانت في الكثير من الأحيان مملّة وأمام مدرجات فارغة. أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أنه جرى بيع 80% من التذاكر. لكن معظم المسابقات لعبت أمام جمهور قليل، يناقض النجاح الشعبي لألعاب لندن.
الارباك الروسي
أربك الشك حول عدد الرياضيين الروس الجميع قبل الانطلاق. نُشر تقرير المحقق ماكلارين المعيّن من الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات في 18 تموز (يوليو) الذي وجه أصابع الاتهام إلى الدولة الروسية بالتنشط المنظّم والممنهج، دفع اللجنة الأولمبية الدولية للجوء إلى الاتحادات الدولية للرياضات للبحث في "نظافة" الرياضيين الروس الذين جرى اختيارهم للمشاركة من قبل اللجنة الأولمبية الروسية.
في المجموع، استبعد 113 رياضياً ورياضية، بينهم 67 في ألعاب القوى وبطلة القفز بالزانة يلينا ايسينباييفا التي أعلنت اعتزالها، من المشاركة في الأولمبياد البرازيلي. الرياضيون الـ276 الآخرون (من أصل 389 اختارتهم اللجنة الأولمبية الروسية في الوهلة الأولى) تمكنوا من الدفاع عن ألوان بلادهم ووضعوها في المركز الرابع على جدول الميداليات.
في خضم الألعاب، واجهت اللجنة الأولمبية الدولية أيضاً اعتقال أحد كبار مسؤوليها الايرلندي باتريك هيكي في إطار التحقيق بشبكة بيع التذاكر بطريقة غير قانونية.
كما طفت على السطح في الأيام الأخيرة من الألعاب، قضية السباحين الأميركيين الأربعة بينهم البطل راين لوكتي، بعدما تبيّن أنّ قصة وقوعهم ضحية سرقة بقوّة السلاح بمحطة للخدمات من طرف أشخاص انتحلوا صفة رجال شرطة، غير صحيحة.
نيمار وبايلز وفرح وموراي ورديف "الأحلام"
شهدت الألعاب أيضاً تألق البريطاني مو فرح الذي حقق الثنائية الثانية توالياً (5 آلاف م و10 الاف م)، لاعبة الجمباز الأميركية سيمون بايلز (4 ذهبيات، وبرونزية واحدة)، السبّاحة الأميركية كايتي ليديكي (4 ذهبيات وفضية واحدة) والعداءة الجامايكية إيلاين تومسون (ثنائية 100 م و200 م).
قبل يوم من انتهاء الألعاب، نسي البرازيليون مشكلاتهم وذلك بعد أن توّج فريق كرة القدم باللقب الوحيد الذي يغيب عن خزائنه أي ذهبية مسابقة كرة القدم. قاده نيمار أخيراً إلى إحراز الذهبية التي كانت تفتقدها خزائنه.
وكرّس المنتخب الأميركي هيمنته على مسابقة كرة السلة للرجال وأحرز ذهبيته الثالثة توالياً والخامسة عشرة من أصل 18 مشاركة، وذلك بعد اكتساحه صربيا في النهائي 96-66.
في كرة المضرب، نال الصربي نوفاك ديوكوفيتش "شرف" أن يكون أوّل "كبير" يحزم حقائبه ويودّع الألعاب، بعد خروجه من الدور الأوّل في مفاجأة لم تكن في الحسبان بالنسبة إلى اللاعب المصنف أوّلاً عالمياً.
وفي ظل إقصاء الصربي، بات البريطاني آندي موراي أوّل لاعب يحتفظ باللقب الأولمبي في منافسات الفردي، رجالاً أو سيّدات.