هاني سكر
لم تعد الأندية تستغرب خسارة فرقها بنتائج غير مرضية في المباريات الودية، كما تعلّمت الكثير من الجماهير الدرس وتوقفت عن التفاؤل حين يحقق فريقها سلسلة من النتائج الجيدة ودياً، حتى أن المدربين ذاتهم لا ينظرون لهذه النتائج بعين الاعتبار بقدر تركيزهم على ما تمذ تقديمه من أداء، ولو أن العديد من هذه الوديات بدأت تحمل نمطاً متقدّماً من الطابع التجاري قبل العمل الفني.
يغيب عن هذه الوديات العديد من النجوم الذين لعبوا أدواراً متقدّمة في أمم أوروبا، نظراً لحاجتهم للراحة وقضاء الإجازة الصيفية، في الوقت الذي نرى فيه أن الكثير من الأسماء الأساسية التي تحضر لا تقدّم كل ما لديها، أما الأكثر عملاً بهذه الفترة فتكون الأسماء الشابة التي تريد استثمار فرصة تواجدها في الفريق الأول، إما لإقناع مدرب الفريق بالاعتماد عليها خلال الموسم، أو لفتح الباب لانتقال محتمل لفريق آخر يمنحها المزيد من فرص اللعب، بالتالي ترى بعض الأندية هذه الوديات فرصة لتقليص القائمة، من خلال إتاحة المجال لظهور لاعبين يمكن الاستغناء عنهم، عدا طبعاً عن تجريب المدرب لأداء بعض اللاعبين الجدد بالنسبة له.
لكن هذا لا يمثل سوى جزء بسيط من الأرباح التي تكسبها الأندية في جولاتها الصيفية، وليس من الغريب أن الرحلة إلى أميركا تصبح مغرية أكثر عاماً بعد آخر من الرحلة إلى شرق آسيا، كما كان يحدث في الماضي، لأن الأرقام التي تجنيها الفرق هناك قد تفوق ما تحصل عليه حين تلعب مباراة في بطولة دوري أبطال أوروبا ذاتها!
في الماضي، كان مانشستر يونايتد وريال مدريد أول من فتحا الباب للرحلات المستمرة إلى شرق آسيا في صيف كل عام، لكن حينها كان الناديان يختاران مواجهة فرق محلية من أبناء البلد الذين يسافرون إليه، والعديد من المباريات كانت تنتهي حينها بنتائج صادمة، بفوز أصحاب الأرض. وفي الواقع، كان صدى تلك الهزائم يدوّي في الصحف الأوروبية، ورغم المعرفة بقدر الربح المادي الذي يتمّ تحقيقه إلّا أن الانتقاد كان يطال الجانب الرياضي. لكن أثر تلك الوديات ظهر بشكل واضح حين بدأ مانشستر يونايتد بالتراجع فنياً، لأن شعبيته الخارقة في شرق آسيا كانت السبب بأن يكون النادي لسنوات هو صاحب العلامة التجارية الأعلى في العالم.
أما حالياً فتغيّر الحال، وبات من النادر رؤية فريق من الكبار يواجه فريقاً محلياً، وأصبحت الخطة هي أن يلعب كبار أوروبا ضدّ بعضهم خارج القارة، وفي الوقت الذي لا تحمل فيه هذه المباريات الكثير من القيمة الفنية، كونها تأتي بفترة التحضير وبغياب العديد من النجوم، إلّا أن مشاهدة مباريات من نمط "ريال مدريد ضدّ برشلونة" و"ليفربول ضدّ مانشستر يونايتد" و"مانشستر سيتي ضدّ تشيلسي" كفيل بجذب اهتمام الحضور، أكثر من أن يلعب ريال مدريد ضدّ شيكاغو أو لوس أنجليس أو أي فريق محلي، لأنك في مباراة مثل الكلاسيكو تجذب جمهور الطرفين في وقت واحد، وتعد الجميع برؤية مباراة فيها نوع خاص من التشويق، بخاصة أن عادة لعب الكلاسيكو في أميركا في الصيف بدأت تتحول إلى أمر شبه سنوي.
وفي الحديث عن الكلاسيكو، قالت صحيفة "آس" إن تذاكر المباراة بيعت بأسعار تتراوح بين 230 و10,500 دولار أميركي، أي بأسعار تفوق مشاهدة مباراة ببطولة دوري الأبطال ذاتها، وكل هذا من أجل مباراة ودية فقط! لكن الأندية وجدت هذه الوديات بمثابة الفرصة لتحقيق أرقام يمكن أن تصنع بعض الفارق في خزينة النادي.
فوفق "آس" أيضاً، عاد ريال مدريد بـ15 مليون دولار من رحلته إلى أميركا العام الماضي، والتي خاض فيها 4 مباريات، في الوقت الذي من المتوقع فيه أن يحصل برشلونة على حوالى 3.5 ملايين دولار على كل مباراة يخوضها برحلته الأميركية، باستثناء مباراة الكلاسيكو، الذي أشارت فيه التوقعات لحصول كل من الناديين على 5.5 ملايين دولار مقابل حصول بارسا على 4 ملايين دولار كعائدات لمواجهته ميلان.
صحيحٌ أن لعبة كرة القدم لا تمثل أولوية في أميركا، لكن مشاهدة نجوم من هذا العيار أمر لا يُتاح كل يوم، وأساساً تباع التذاكر بأرقام مرتفعة في الكثير من الرياضات هناك، إضافة إلى المعرفة المسبقة أن لقاءات كهذه ستستقطب المزيد من النجوم المهتمين بحضور المباراة، بالتالي تصبح الأندية قادرة على جني الملايين من لا شيء، مقابل اختيارها السفر بعيداً خلال الصيف.
لُعبت مباراة ريال مدريد وبرشلونة في ملعب يتسع لـ82 ألف متفرج، وهو الرقم الذي يبقى بعيداً من أكبر مباراة شهدت حضوراً جماهيرياً في تاريخ أميركا، حين حضر 109 آلاف متفرج لقاء ريال مدريد ومانشستر يونايتد قبل حوالى 10 سنوات، ولنتخيل حينها كم كان العائد مرتفعاً بالنسبة للناديين من تلك الودية.
وذات الحال ينطبق طبعاً على أندية البريميرليغ التي من المتوقع أن يحصل كل منها على حوالى 10 ملايين دولار من هذه الرحلة، بحسب ما قالت "غارديان" التي أشارت أيضاً لجانب إضافي يتمثل بأهمية بقاء الأندية واللاعبين لفترة طويلة في أميركا، معتبرة أن ذلك يمثل فرصة لخلق المزيد من العلاقات خارج الملعب بالنسبة لهم، سواء مع الجماهير أو وسائل الإعلام والظهور في بعض البرامج.
أما النتائج فلم تعد تبهر المدرّبين كثيراً، ففي الفترة التحضيرية للموسم الماضي فاز برشلونة على ريال مدريد بثلاثية في أميركا، لكن حال الموسم كان مختلفاً تماماً، وهذا الموسم لم يبدِ فليك الكثير من السعادة بعد الفوز بأول كلاسيكو له، وقال إن فريقه يحتاج للضغط لمدة 90 دقيقة، وغياب ذلك يُعتبر بمثابة المشكلة.
أما أرني سلوت فلم تغره بداية ليفربول الممتازة والفوز بودياته، والتي كانت آخرها ثلاثيته في مرمى مانشستر يونايتد، فاعتبر أن الفريق بحاجة للمزيد من التحسن، مركّزاً على إهدار لاعبيه للعديد من الفرص.
في الوقت الذي يمثل المال عصباً أساسياً في كرة القدم، تحتاج الأندية للبحث عن توسيع استثماراتها العالمية، وهذه الوديات قد تبدو بمثابة صفقات تجارية سهلة، فخارج مواعيد بطولاتك يمكنك الذهاب مع الفريق بجولة أميركية كي تجلب المال وتعود لتحضيراتك قبل بدء الموسم.